خلال السنوات الأخيرة، تطور الذكاء الاصطناعي من كونه تقنية مستقبلية من المتوقع أن نشاهد آثارها في الغد البعيد إلى واقع معاش للأفراد والشركات على حد سواء. وبسرعة كبيرة، باتت المؤسسات في مختلف القطاعات تستفيد الآن من الذكاء الاصطناعي لتعزيز الكفاءة، وأتمتة العمليات، واكتشاف فرص جديدة. وفي الفترة الأخيرة، بدأ مفهوم جديد من استغلال هذه التقنية بالتبلور، وهو فكرة «مصنع الذكاء الاصطناعي».
نظرة أقرب لمفهوم «مصنع الذكاء الاصطناعي»
على عكس ما يوحي به الاسم للوهلة الأولى، فمصنع الذكاء الاصطناعي ليس مصنعاً يستخدم الذكاء الاصطناعي مثلاً، حتى أنه ليس منشأة مادية من أي نوع. إنما هو إطار استراتيجي تستخدمه المؤسسات لصنع خطط تطوير، ونشر، وإدارة حلول الذكاء الاصطناعي بشكل منهجي. حيث يدمج مصنع الذكاء الاصطناعي البيانات، والخوارزميات، وقوة الحوسبة، والخبرة البشرية في نظام متماسك مصمم للابتكار المستمر القائم على الذكاء الاصطناعي.
الفكرة من مصنع الذكاء الاصطناعي هي أن يكون أداة اتخاذ قرار وأتمتة في الشركات والمؤسسات الكبرى. فيعمل بشكل مشابه للمصنع التقليدي، حيث تُعالج المواد الخام (البيانات) عبر آلات متخصصة (نماذج الذكاء الاصطناعي) لإنتاج مخرجات قيمة (رؤى، أتمتة، أو أدوات دعم قرار)، وتكون النتائج هي أتمتة عمليات اتخاذ القرار الصغيرة وزيادة كفاءة العمليات بشكل كبير. وهذا الشبه في طريقة العمل هو سبب تسمية «مصنع الذكاء الاصطناعي» هذه، ويكمن الفرق الوحيد بين المصانع العادية ومصانع الذكاء الاصطناعي في نوع ما يتم التعامل معه، فالذكاء الاصطناعي يستهلك البيانات وينتتج بالمقابل أتمتة ذكية، وتحليلات تنبؤية، وأنظمة تعلم ذاتي متكيفة.
كما هو الحال مع المصانع التقليدية، يحتاج مصنع الذكاء الاصطناعي لاجتماع العديد من العوامل ليؤدي المهام المطلوبة منه بكفاءة. وتتضمن أبرز العوامل كلاً من:
البنية التحتية للبيانات
كما المصنع العادي، يعتمد خرج مصنع الذكاء الاصطناعي على كم وجودة المواد الأولية الداخلة، فالمواد الأولية الجيدة تعطي نتائج جيدة، فيما لا تنتج المدخلات الرديئة سوى منتجات مشابهة بالرداءة. وتعامل البيانات على أنها المواد الخام في مصنع الذكاء الاصطناعي، حيث تحتاج هذه التقنية لكم كبير وجودة عالية للبيانات الداخلة. لذا، على الشركات الراغبة بتبني هذه المقاربة العمل على تحسين بنيتها التحتية المتخصصة بجمع البيانات من حيث الكم والنوع. ولهذه الغايات لا بد من اعتماد عتاد مناسب للمهمة مثل معالجات AMD EPYC المدمجة (AMD EPYC Empedded) التي تتيح حتى 192 نواة (384 خيط معالجة) مما يتيح أداءً عالياً للغاية في هذه الاستخدامات.
نماذج الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة
تلعب هذه النماذج دور الآلات في المصانع التقليدية، وتماماً كما هو الحال في الصناعات، من المهم للشركة أن تختار الآلة المناسبة للمخرجات التي تريدها، مع الحرص على كونها عالية الجودة وعالية الأداء. ولدى استخدام خوارزميات التعلم العميق بشكل فعال، يمكن للشركات تحقيق الاستفادة المثلى من بياناتها عبر التعرف على الأنماط، ورسم التنبؤات المستقبلية، وبالطبع أتمتة المهام. وكما تحتاج الآلات لصيانة مستمرة، تحتاج نماذج التعلم العميق لتدريب وتحسين مستمر لرفع إنتاجيتها وتمكينها من مجاراة تطور الصناعة والتحولات الجارية لأعمال الشركات سواء كانت داخلية أم خارجية.
قوة معالجة كافية وقابلة للتوسع
كما هو معروف في الصناعة، تحتاج نماذج الذكاء الاصطناعي لموارد كبيرة من حيث قوة المعالجة، وهو ما يعني أن الشركات الراغبة في تبني هذه التقنية إما تحتاج لاستخدام خوادم محلية عالية الأداء (مثل الخوادم المدعومة بمعالجات AMD EPYC ومسرعات AMD Instinct)، أو أنها تحتاج للاعتماد على خدمات سحابية موثوقة وقابلة للتوسع للتعامل مع تزايد أعباء المعالجة لدى نمو مصانع الذكاء الاصطناعي في الشركة.
التضمين العميق مع العمليات
حتى مع أفضل بيانات لتغذيته، ونماذج قوية تعمل على خوادم عالية الأداء، لا يكون الذكاء الاصطناعي مفيداً حقاً إلا عند الاستفادة من مخرجاته واستغلالها بالشكل الملائم. لذا تحتاج الشركات لأن تستثمر الوقت والطاقة البشرية اللازمة لجعل عملياتها متكاملة مع الذكاء الاصطناعي عبر ربطه مع أنظمة تخطيط موارد المؤسسات وإدارة علاقات العملاء.
توظيف الفريق الصحيح للمهمة
بالنظر لكون مصانع الذكاء الاصطناعي تتضمن العديد من الأجزاء المختلفة التي تحتاج للإدارة والتخصيص، فعلى الشركات الاهتمام بكون الفرق المسؤولة عنها متنوعة كفاية وتتضمن علماء البيانات، ومهندسي البرمجيات، ومسؤولي الخوادم والخدمات السحابية، وحتى خبراء في أخلاقيات الذكاء الاصطناعي وخبراء قانونيين للحرص على أن العمليات تتم بالشكل السليم دون تجاوز أي قوانين أو تشريعات مفروضة.
ما الذي تجنيه الشركات من تقنية مثل مصانع الذكاء الاصطناعي
كما ذكرنا سابقاً، تعد مصانع الذكاء الاصطناعي تحولاً استراتيجياً هاماً للشركات، وبالأخص تلك الكبيرة منها. لذا يترافق تبني هذه التقنية مع تغييرات عميقة في عمل الشركة وتحسينات كبيرة في عملياتها. وتظهر واحدة من أهم الفوائد مثلاً في عمليات اتخاذ القرار، حيث يمكن لنماذج الذكاء الاصطناعي تحليل البيانات في الوقت الفعلي وتحسين أو تسريع عمليات اتخاذ القرار (مثل الموافقة على طلبات القروض من المؤسسات المصرفية) بشكل كبير. فعلى سبيل المثال، تستعرض شركة AMD قدرات مسرعات الذكاء الاصطناعي AMD Instinct على تحسين عمليات المؤسسات المالية في حالات مثل اكتشاف الاحتيال، وتحليل المخاطر، وتخصيص التجارب، وسواها.
يضاف إلى ما سبق كون مصانع الذكاء الاصطناعي قادرة على أتمتة العديد من العمليات الروتينية والمهام المتكررة. فيمكن لهذه التقنية أن تتولى مهام مراقبة المخزون والتحقق من الجودة بالاعتماد على الصور ونتائج الاختبارات، وبالنتيجة تتيح للمؤسسات إعادة تخصيص قواها البشرية للمهام ذات القيمة الأعلى بدلاً من تضييع الوقت على العمليات الروتينية. وبشكل إضافي، تفيد مصانع الذكاء الاصطناعي بشدة في العمليات التصنيعية، حيث يمكنها تحسين التحكم بالآلات ذات الأنظمة الحديثة المتوافقة معها، وحتى في حالة العتاد القديم، فهي تمتلك كفاءة عالية في مراقبة أداء الآلات والتخطيط المسبق لعمليات الصيانة لتجنب أي أعطال أو توقف تشغيلي غير ضروري.
أخيراً، يمكن لمصانع الذكاء الاصطناعي أن تكون فائقة الفعالية في تخصيص تجارب المستخدمين بالشكل المناسب. فهي أقدر على تمييز أنماط سلوك المستخدمين والحوافز الأكثر فعالية لجعلهم زبائن متكررين وتحفيزهم على الشراء في حال كانوا مستخدمين فعالين، أو استعادة اهتمامهم في حال كانوا مستخدمين سابقين. وفي الواقع يمكن ملاحظة هذا النوع من الاستخدامات منذ اليوم عبر منصات التجارة الإلكترونية الكبرى التي تستخدم خوارزميات عالية التعقيد والتقدم لتتبع بيانات المستخدمين والاستفادة منها في الحفاظ على ولائهم على المدى البعيد.
نظرة إلى مستقبل مصانع الذكاء الاصطناعي
فيما تسعى الشركات اليوم لتبني الذكاء الاصطناعي بشكل أكبر في عملياتها، تتجه الكثير منها لمصانع الذكاء الاصطناعي بالدرجة الأولى نظراً للفوائد الجمة التي يمكن أن تقدمها. ومع الوقت يمكن أن تصبح هذه التقنية متاحة أكثر للشركات على اختلاف أحجامها، وبالأخص تلك الصغيرة التي لا تستطيع تحمل التكاليف الكبيرة المرتبطة بتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي خاصة بها وتحقيق الشروط الأخرى العديدة للاستفادة الفعالة من هذه التقنية.
للوصول إلى واقع أعمال تلعب فيه مصانع الذكاء الاصطناعي دوراً فعالاً، لا بد من النظر إلى العديد من الاعتبارات والعقبات التي تواجه التقنية اليوم ومن ثم تذليلها. حيث تأتي التكاليف المالية العالية في رأس القائمة، لكنها ليست الوحيدة. حيث من المهم مراعاة مبادئ الحوكمة والأسس الأخلاقية لدى اعتماد أي أنظمة ذكاء اصطناعي لتجنب انحيازاتها الخفية، وهنا تبرز بيئات مثل أدوات الذكاء الاصطناعي مفتوحة المصدر من AMD والتي تركز بشكل كبير على الشفافية في تطوير النماذج.
كما أي عملية تحديث واسع النطاق، يحتاج تبني مصانع الذكاء الاصطناعي لتحول جذري يمكن أن يصطدم مع البنى الحالية للشركات الكبرى. وللتعامل مع هذا التحدي، لا بد للشركات أن تعمل بفعالية على تدريب موظفيها ورسم خطط واضحة وتدريجية بحيث يكون التحول أكثر نجاحاً ويواجه الحد الأدنى من العقبات.