في عام 2024، الذكاء الاصطناعي ليس خلاصنا المنتظر
الرقابة البشرية ضرورية في مستقبلنا المشبع بالارتياب التقني
مقال ضيف بقلم: أحمد صيداوي، المدير الإقليمي في المملكة العربية السعودية، في شركة Genesys
في عام 2023، بدأ إيمان الكثيرين بإمكانية تحقق مستقبل يشابه فيلم The Matrix (المصفوفة) بالتجلي. ومع التقدم المستمر للتقنية، يُمسي الجمهور ضعيف التأثّر أو غافلاً عن الابتكارات الجديدة، بما يشمل تلك الثورية منها. ومع ذلك، فقد صنع إضفاء الطابع الاستهلاكي للذكاء الاصطناعي التوليدي لحظة مفصلية للبشرية على مدى العام الفائت. وكان ذلك حينما بدأ الناس العاديون بفهم الإمكانات الهائلة للذكاء الاصطناعي في التأثير على طريقة حياتنا وعملنا، وفي ضوء ذلك يحضر مستوى جديد من الهوس والافتتان بالعلاقة المعقدة بين الإنسان والآلة.
كحال معظم الناس، فقد شاهدت صدور عناوين الأخبار المتكهّنة بماهية تأثير تقدم الذكاء الاصطناعي على حياتنا اليومية ووظائفنا. ولا بدّ لي من الاعتراف، من الصعب عدم الانجرار إلى تلك الجوقة عندما تحقق النماذج اللغوية الكبيرة درجات شبه مثالية في الاختبارات، وعندما يصف قادة التقنية الذكاء الاصطناعي بأنه «أذكى من البشر»، متشدّقين بعبارات فصيحة من قبيل «سيحين وقت لن يكون هنالك حاجة فيه إلى وظيفة.»
لقد ألف الناس بالفعل التفاعلات اليومية مع الروبوتات الودودة والمساعدات الافتراضية، ولعل مثال ذلك هو أسئلتنا الموجهة إلى Alexa أو Siri(وهو ما فعله معظمنا أصلاً). وحتى قبل الصعود غير المسبوق للذكاء الاصطناعي التوليدي، كانت الأجزاء الأكثر شخصية من حياتنا مدمجة مع الذكاء الاصطناعي. إنما الآن، ومع الأدوات المتاحة التي توظّف طلبات المستخدم لتوليد النصوص والصور، بات الذكاء الاصطناعي أكثر حضوراً في أذهان الناس على اختلاف أعمارهم، ومستوياتهم الثقافية، ومجالات عملهم. وقد استدعى هذا حالة من الحماس والتوجّس، إذ يمعن الكثيرون التفكير في إمكانيات هذه التقنية الذكية، سواء في تقديم العون لنا أو استبدالنا.
في سلسلة أفلام The Matrix، يقول مورفيوس كلمته الشهيرة للجنس البشري الذي كان موشكاً على الانقراض: «نحن لا نزال هنا». وكذلك الأمر لنا في العالم الواقعي. وبينما تبدو قدرة الذكاء الاصطناعي التوليدي على أن يكون قوة في سبيل الابتكار العالمي، وتمكين الاقتصاد، وأكثر من ذلك جلية، فهو ليس الخلاص الذي يحل مشاكل العالم.
اليوم، بلغت الإنسانية مفترقاً حرجاً. وعلى كاهلنا المسؤولية المتأصلة لتوجيه هذه التقنية الجامحة وضمان عملها وفقاً مسار أخلاقي يقوم على خدمتنا وليس سلبنا ما نملك. وفي حقيقة الأمر، تعد ردود الفعل البشرية عنصراً محورياً ولازماً لتدريب الذكاء الاصطناعي. ويتوجب علينا الإشراف على نموه لضمان شفافية النماذج، والتنفيذ الأخلاقي، وتطوير قواعد استخدامه.
إذن، ماذا بعد؟ في مستقبل يعجّ بفيض من الأسئلة، هناك أمر وحيد لا لبس فيه؛ وهو أن الحضارة ليست على أعتاب الحرب مع جيش من الأعداء على شاكلة «العميل سميث». بيد أن الذكاء الاصطناعي يغيّر الطريقة التي نعمل بها في عالم يسارع بالاتجاه نحو الرقمنة. وبالنسبة لنا كبشر، يعني هذا أن أفضل طريقة للمضي قدماً هي مواصلة التقدم في إنشاء الأنظمة، والعمليات، والمبادئ التوجيهية لألا نكون مشاركين سلبيين في ثورة الذكاء الاصطناعي الخاصة بنا.
فيما يلي ثلاثة طرق قد تمكننا من معاينة تطور العلاقة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي في عام 2024 وما بعده:
تشريعات الذكاء الاصطناعي الجديدة ستحمي الوظائف
في مختلف الحكومات والمناطق الجغرافية، سيجري تقديم مشاريع قوانين تضمن على وجه الخصوص أن يكون الذكاء الاصطناعي رافداً للأدوار البشرية، وخاضعاً للإشراف البشري. وسيحمي هذا وظائف معينة من الاستبدال، ويخلق أدواراً لم تكن موجودة من قبل. وفي المناطق التي يكون فيها نشر الذكاء الاصطناعي أكثر كفاءة وفعالية، ستكون هناك متطلبات للارتقاء بمهارات الموظفين للقيام بأدوار الإشراف على التقنية، وتطويرها، وصيانتها. وسوف نشهد أيضاً انفتاح مزيد من الأبواب أمام الموظفين للتعاون مع الذكاء الاصطناعي، بما يفسح المجال للأداء البشري الخارق.
كما ستزداد النقاشات حول من سيحمل مسؤولية إعداد القوى العاملة المستقبلية للأدوار الهجينة بين الإنسان والذكاء الاصطناعي. فقد يتباحث قادة الحكومات في مدى استحقاق مناهج التعليم العالي والتدريب أثناء العمل لسد الفجوات المحتملة في المهارات بين الأدوار الابتدائية في السلم الوظيفي والموظفين في المستويات الأعلى، الذين تُنجز مهامهم الآن من خلال الذكاء الاصطناعي.
ستخضع الخطط التجارية الاستراتيجية لتحول ناتج عن الذكاء الاصطناعي
يتعين على قادة الأعمال دراسة الدور المتنامي الذي ستضطلع به التقنيات الذكية في عملياتهم التشغيلية ضمن بيئات العمل، وإلا فهم يغامرون بمواجهة جملة من التحديات، والخسائر في القيمة، والاستنزاف للمواهب. وينبغي على بعض الشركات أن تنظر في إمكانية إلقاء خططها الاستراتيجية طويلة الأمد جانباً في حال فشلها في تقدير دور الذكاء الاصطناعي بما يتجاوز أداء مهام أو وظائف بعينها. إذ سيكون للذكاء الاصطناعي تأثير بالغ على هياكل ونطاق العديد من المنظمات، وعلى الشركات الشروع في التخطيط لذلك الآن.
ستغدو هذه المسألة أكثر إلحاحاً مع تحول الذكاء الاصطناعي إلى أطوار مستقلة بذاتها من الذكاء العام الاصطناعي، حيث قد تكون التطبيقات الحاضرة في كل مكان أكثر استقلالية عن البشر. ولا طاقة للمدراء التنفيذيين بتحمل مغبّة النظر إلى الذكاء الاصطناعي كأي تقنية أخرى مخصصة للأعمال.
محتوى التزييف العميق يصبح مصدر قلق أمني في تجربة العملاء
يثير محتوى التزييف العميق المولد بالذكاء الاصطناعي موجات من الجدل بسبب القدرة على نشر معلومات مضللة أو الإخلال بصورة شخصيات معروفة. ولا يعد الأفراد منيعين على هذا الخطر. وسنشهد استخدام مصادر التهديد لنسخ تزييف عميق من المستخدمين لتجاوز طرق التحقق والمصادقة الحيوية. وفي حين لا تزال هذه التقنية في مهدها، يسرع التقدم الحثيث في مجال الذكاء الاصطناعي من احتمالية زعزعة ثقة العملاء وأمنهم. وستحتاج الشركات إلى التركيز على اعتماد تقنية مصادقة تعالج هذه المخاطر، بما يؤمن الحماية لعملائها ويضمن عدم استغلالهم بسهولة.
اللمسة البشرية في عالم اصطناعي
مع استمرار المجتمع في الاندفاع نحو تحقيق قفزات ثورية في التقنية، فقد بدأت الكلمات التي خطّها كبار كتّاب الخيال العلمي بتقمص هيئة الحقيقة أكثر من كونها خيالاً. وبينما نتصارع مع هذا الواقع الجديد، يتعين علينا أن نتذكر أن بوصلتنا البشرية عنصر أساسي في جوهر تعلم الآلات والنماذج. وهنا يجدر بنا تذكر أنه حتى المصفوفة (في فيلم The Matrix) كانت تحتاجنا لتأدية وظيفتها.