رئيس وزراء السويد: إما أن تبدأ أوروبا بالابتكار، أو أنها ستتحول إلى متحف

⬤ تواجه أوروبا تحدياً وجودياً بين تعزيز الابتكار أو التراجع إلى مجرد متحف ثقافي بلا ديناميكية اقتصادية.
⬤ يشير مراقبون لضرورة تخفيف القيود التنظيمية وزيادة الاستثمارات لمنافسة الولايات المتحدة والصين.
⬤ خلال قمة الذكاء الاصطناعي في باريس أطلقت أوروبا مبادرات استثمارية ضخمة كرد على مشروع Stargate.
تحذير صارخ يتردد في أروقة مراكز القرار الأوروبي وفي كواليس مؤتمرات التقنية: إما الابتكار أو الجمود. في ظل تنامي القلق من أن تتحول أوروبا إلى مجرد «متحف» يعج بالإرث الثقافي لكنه يفتقر إلى ديناميكية اقتصادية تواكب العصر، في وقت تجد القارة نفسها متأخرة في سباق التقنية العالمي، لا سيما في الذكاء الاصطناعي.
تتوالى التحذيرات من مسؤولين ورواد أعمال حول هذا التحدي، حيث تعكس تصريحات رئيس الوزراء السويدي أولف كريستيرشون، خلال حديثه في مؤتمر Techarena بستوكهولم، الأسبوع الماضي، هذا القلق بوضوح. فقد شدد على أن أوروبا مهددة بأن تصبح مجرد «متحف» إذا لم تخفف قيودها التنظيمية على الذكاء الاصطناعي وتوفر بيئة أكثر تحفيزاً للأعمال.
جاءت تصريحات كريستيرشون بعد أشهر من أجواء قاتمة سادت مؤتمر Slush التقني في هلسنكي أواخر العام الفائت. وحينها كشفت بيانات تقرير State of European Tech الصادر عن Atomico أن قطاع التقنية الأوروبي شهد نمواً هائلاً، إذ جمعت الشركات الناشئة الأوروبية 426 مليار دولار بين عامي 2015 و2024، وهو ما يفوق بعشرة أضعاف ما تم جمعه في العقد السابق. كما باتت أوروبا تنافس الولايات المتحدة في عدد الشركات الناشئة.
لكن رغم ذلك، برزت آنذاك مخاوف متزايدة من أن أوروبا مهددة بالتراجع الكبير أمام الاستثمارات الهائلة والنُهج الأكثر تحرراً في الولايات المتحدة والصين. وقد سبق أن حذر يوها فارتياينين، الشريك المؤسس لشركة IQM الفنلندية للحوسبة الكمية، من مصير مشابه، حين قال في نوفمبر الماضي إن «على أوروبا أن تجد هوية خاصة بها في التقنية، وإلا فسينتهي بها الأمر لتكون متحفاً.»
يعكس تحذير كريستيرشون اتجاهاً مثيراً للقلق، فاقتصادات أوروبا لم تحقق نمواً يضاهي نظيراتها في الولايات المتحدة والصين على مدار العقدين الماضيين. وقد دعا كريستيرشون إلى ضرورة أن «تنهض أوروبا» لمواكبة التطورات، في تكرار لنداءات مماثلة أُطلقت خلال قمة الذكاء الاصطناعي الأخيرة في باريس.
من اللافت أن تقرير Atomico في 2024 تطرق لتواضع الاستثمار في رأس المال المغامر في القارة العجوز، لتأتي التطورات الأخيرة كاستجابة لتلك الهواجس. إذ أعلن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، خلال قمة باريس عن مبادرة استثمارية ضخمة بقيمة 109 مليارات يورو لدعم الذكاء الاصطناعي، في محاولة لمنافسة مشروع Stargate الأمريكي، الذي قد تصل استثماراته إلى 500 مليار دولار. كما تعهدت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بحشد 200 مليار يورو إضافية لدعم الاستثمارات في هذا القطاع على مستوى الاتحاد الأوروبي.
غير أن هذه الالتزامات المالية ليست سوى جزء من المعادلة. فقد اعتبر نائب الرئيس الأمريكي، جي دي فانس، أن تركيز أوروبا الصارم على التشريعات يعرقل الابتكار. على أن هذه الانتقادات ليست بالجديدة، إذ لطالما اشتكى التنفيذيون في قطاع التقنية من قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي، الذي دخل حيز التنفيذ اعتباراً من الثاني من فبراير هذا العام، باعتباره نموذجاً للتنظيم المفرط.
من جانبه، أكد كريستيرشون تلك المخاوف، مشيراً إلى أن «الشركات تواجه صعوبات في استخدام أحدث التقنيات بسبب الضبابية التشريعية الأوروبية،» لافتاً إلى أن العديد من الشركات الناشئة الأوروبية «تنقل عملياتها إلى الولايات المتحدة بسبب نقص التمويل المتاح.»
عموماً، لا يمكن إنكار غنى أوروبا بكل العوامل التي تؤهلها لعصر نهضة جديد. ولعل في تجدد النزعة القومية في الولايات المتحدة ما قد يشكل صدمة علاجية تدفع قادة الاستثمار وصناع القرار نحو تحول من شأنه أن يغير حاضر ومستقبل القارة لقرون قادمة. وإلا فستكون فسحة مفعمة بالتاريخ ليس إلا، وحاضرة أشبه بمدينة البندقية (فينيسيا) الإيطالية، كما يرى أكثر المتشائمين.