دراسة بالبيانات: متى يمكنك معرفة أن مسلسلاً تحبه تراجع ولم يعد يستحق أن تتابعه؟

⬤ أظهرت تحليلات أحد الباحثين أن مشاهدة ست إلى سبع حلقات تكفي لتقييم جدوى الاستمرار في متابعة أي مسلسل درامي.
⬤ تشير البيانات إلى أن مرور ست حلقات متتالية ضعيفة من مسلسل طويل غالباً ما تكون مؤشراً على انحداره الدائم.
⬤ يؤكد الباحث أن التعلق العاطفي ومغالطة «التكلفة الغارقة» يمنعان المشاهدين من الانسحاب في الوقت المناسب.
في العصر الذهبي للمحتوى، يجد المشاهد نفسه أمام معضلة متكررة، بحر لا ينضب من المحتوى، في مقابل وقت محدود لا يكفي لملاحقته. وقد مرّ كثيرون بهذه التجربة، حين ينصحك أحدهم بالاستمرار في مشاهدة مسلسل ما قيل إنه «يتحسن لاحقاً،» كما هو الحال مع Breaking Bad أو The Wire، حيث تبدأ الإثارة الحقيقية بعد عدة حلقات.
لكن ماذا عن المسلسلات المصنفة تحت فئة «الفخامة المتوسطة؟» تلك التي تبدو لامعة وتضم أسماء بارزة في أطقم عملها، لكنها لا تنجح في جذب الانتباه فعلياً؟ متى يحين وقت التوقف عن المشاهدة وتوفير الوقت لما هو أجدر؟
متى تعطي المسلسل فرصة كافية؟
قرر الباحث في البيانات والمهتم بالثقافة الشعبية، دانيال باريس، معالجة هذا التساؤل العصري من منظور علمي، عبر منصته Stats Significant على Substack.
استند باريس إلى تقييمات المستخدمين على IMDb ليحدد رقمياً عدد الحلقات المثالي التي ينبغي مشاهدتها قبل اتخاذ قرار الاستمرار أو الانسحاب من عمل درامي جديد، كما بحث في نقطة التحول التي تبدأ فيها المسلسلات المعروفة بالانحدار.
أظهرت تحليلاته أن عدد الحلقات التي تحتاجها معظم المسلسلات الجديدة لبلوغ مستواها الحقيقي يتراوح بين ست إلى سبع حلقات. واستند في ذلك إلى المسلسل الشهير Friends، الذي يبلغ متوسط تقييم حلقاته 8.34 على IMDb. وفي حين جاءت الحلقات الست الأولى دون هذا المتوسط، بينما تجاوزته الحلقة السابعة، لتشكل نقطة الانطلاق الفعلية للمسلسل.
بينما تنجح بعض الأعمال في إقناع المشاهد منذ بدايتها، تستغرق مسلسلات أخرى وقتاً أطول لتستقر على نغمتها الخاصة، مثل Seinfeld الذي احتاج إلى 16 حلقة تقريباً.
لكن هذا الاستنتاج يواجه تحدياً في سياق الإنتاجات الحديثة، فقد أصبحت المواسم في منصات البث لا تتجاوز ست حلقات أحياناً، ما يمنح صناع الأعمال متسعاً أقل لإقناع المشاهدين. ففي الماضي، كان للمسلسلات التلفزيونية التقليدية مثل Star Trek: The Next Generation مواسم تتكون من 26 حلقة، تسمح لها بالنمو والتطور حتى في بداياتها المتعثرة. أما اليوم، فالضغط أكبر، والزمن المتاح أقل. وبالنسبة لمن تُلغى أعمالهم قبل أن تبلغ الحلقة السادسة، يرى باريس، بنبرة عزاء ساخرة، أن عملهم قد يكون مجرد تحفة لم تُفهم في وقتها، وربما كان مشروعاً لم يُكتب له اكتساب جمهوره الشغوف، وجرى إجهاضه في المهد.
عندما تبدأ الأعمال الجيدة بالتراجع: كيف نرصد نقطة اللاعودة؟
لا يقتصر الأمر على المسلسلات الجديدة، بطبيعة الحال. فماذا عن الأعمال الطويلة التي بدأت بفقدان بريقها؟ يجد كثير من المشاهدين صعوبة في التخلي عن مسلسل أحبوه، حتى حين تبدأ ملامح التراجع بالظهور.
تناول باريس هذه الإشكالية أيضاً، مسلطاً الضوء على اللحظة التي يبدأ فيها المسلسل «بالقفز فوق القرش،» وهو مصطلح يُستخدم للإشارة إلى فقدان العمل جودته، سواء عبر تحولات مبالغ فيها أو تراجع تدريجي خفي.
تشير تحليلات باريس السابقة إلى وقوع نقطة التحول السلبية غالباً بين الموسمين الخامس والسادس في المسلسلات الطويلة. لكن يكمن التحدي في التمييز بين تراجع عابر، كما حدث مع الموسم الثاني من Friday Night Lights الذي تعافى لاحقاً، وبين انهيار دائم كما في المواسم الأخيرة من Game of Thrones أو House of Cards.
هنا أيضاً، يبرز الرقم ستة من جديد، فحسب تحليل باريس لبيانات IMDb، يشير مرور ست حلقات متتالية بتقييمات أقل من متوسط العمل إلى أن فرص استعادة الجودة الأصلية تقل عن 50%، أي غالباً ما يكون الانحدار دائماً بعد هذه النقطة.
فخ الاستثمار العاطفي: لماذا يصعب التوقف؟
رغم هذه المؤشرات الرقمية، يظل القرار بالانسحاب صعباً نفسياً. إذ يشير باريس إلى انحياز نفسي شهير يُعرف «بمغالطة التكلفة الغارقة،» حيث يميل الإنسان إلى الاستمرار في مسار معين لمجرد أنه استثمر فيه سابقاً، حتى وإن لم يعد ذلك المسار مجدياً، حاله في ذلك حال بعض الحيوانات التي شملتها التجارب العلمية مثل الفئران والحمام.
تُعد سلسلة How I Met Your Mother مثالاً صارخاً على ذلك. فقد استمر العديد من المشاهدين في متابعة المواسم الأخيرة رغم تدني جودتها، مدفوعين بالفضول تجاه اللغز المحوري في العنوان. لكن النهاية التي خيبت آمال الكثيرين أثبتت، كما يرى باريس، أن طول الالتزام لا يضمن بالضرورة مكافأة تستحق.
الخلاصة: الرقم السحري هو ستة، لكن الأمل لا يموت
إذاً، تقدم البيانات، خطوطاً إرشادية واضحة؛ امنح المسلسل الجديد فرصة تمتد لست أو سبع حلقات، وتوخّ الحذر عند مشاهدة ست حلقات متتالية ضعيفة من عمل كنت تحبه سابقاً. لكن، حتى مع ذلك، تبقى النفس البشرية متعلقة بأمل قديم، أن مع القادم قد يتغير كل شيء.