حلم مراكز البيانات الصينية يغدو كابوساً: استثمارات كبرى لمراكز بيانات تستمر دون إشغالها

⬤ فشلت مراكز بيانات الذكاء الاصطناعي في الصين في تحقيق الاستفادة المرجوة بسبب ضعف الاستخدام.

⬤ أدى ظهور نماذج أكثر كفاءة مثل DeepSeek R1 إلى تراجع سوق تأجير معالجات الرسوميات الفائقة.

⬤ رغم الإخفاقات، تواصل بكين الاستثمار بقوة في الذكاء الاصطناعي باعتباره أولوية استراتيجية وطنية.

ما بدأ كموجة اندفاع وطنية نحو الهيمنة على مستقبل الذكاء الاصطناعي، انتهى اليوم بتراكم مراكز بيانات ضخمة في الصين تعاني من البطالة التقنية وقصور الاستخدام. فبعد استثمارات حكومية وخاصة تجاوزت المليارات خلال عامي 2023 و2024، كشفت آخر التقارير عن واقع ضحل، ذلك أن ما يصل إلى 80% من قدرات الحوسبة الجديدة في هذه المنشآت لا تزال خاملة، في مشهد يناقض تماماً حماسة «حمى الذهب الرقمي» التي اجتاحت البلاد قبل أشهر فقط.

جاءت هذه الطفرة عقب الصعود العالمي المفاجئ لتطبيقات مثل ChatGPT في أواخر عام 2022، حيث رأت بكين في الذكاء الاصطناعي محركاً محتملاً لنمو اقتصادي جديد، خاصة في ظل تباطؤ ما بعد الجائحة وانهيار قطاع العقارات. واستجابت الحكومات المحلية لهذه الرؤية بدفع محموم نحو إنشاء ما عرف بمراكز الحوسبة الذكية، في محاولة لتحفيز الاقتصاد المحلي وإثبات الجدارة التقنية.

بحسب شركة الأبحاث KZ Consulting، تم الإعلان عن أكثر من 500 مشروع مركز بيانات في أنحاء الصين بين عامي 2023 و2024، من منغوليا الداخلية إلى مقاطعة غوانغدونغ الساحلية، فيما دخل نحو 150 منها الخدمة مع نهاية عام 2024. وانخرطت في هذه الموجة شركات حكومية، ومؤسسات مدرجة في البورصة، بل وحتى شركات لا علاقة لها بالتقنية سابقاً مثل مصانع المواد الغذائية وشركات النسيج، وكلها تحالفت مع السلطات المحلية لركوب الموجة، أو رفع أسعار أسهمها، أو تأمين امتيازات حكومية.

لكن هذا النهج التوجيهي المندفع افتقر، وفقاً لمصادر متعددة، إلى التخطيط المحكم والرؤية الواقعية لحجم الطلب أو متطلبات البنية التحتية الفعلية. وهو ما أكد عليه جيمي غودريتش، المستشار التقني في مؤسسة RAND.

إن بناء وتشغيل عناقيد وحدات معالجة الرسومات عالية الأداء ليس بالأمر الهين، ويتطلب خبرات هندسية متقدمة. بيد أن عدداً كبيراً من المشاريع أنجز على عجل، دون مراعاة الشركات المتخصصة للمعايير التقنية المطلوبة. وزاد الأمر سوءاً اعتماد بعض القائمين على هذه المشاريع على وسطاء ومقاولين بالغوا في تقديرات الطلب أو تلاعبوا بعمليات التوريد طمعاً في الدعم الحكومي.

الأدهى أن بعض المشاريع، بحسب تقارير إعلامية ومصادر في السوق، لم يكن الهدف منها أصلاً الربح من تشغيل الحوسبة، بل استغلالها كوسيلة للوصول إلى موارد الكهرباء الخضراء المدعومة وبيعها لاحقاً بأسعار مرتفعة، أو للحصول على قروض وأراض حكومية. وبهذا الصدد، قال فانغ تسونباو، مدير مشاريع مراكز بيانات في بكين: «بحلول نهاية 2024، لم يعد أي مقاول عاقل يطمح لتحقيق ربح مباشر من هذا القطاع. كل من التقيتهم كانوا يسعون لمكاسب جانبية تقدمها الحكومة.»

مركز بيانات في الصين

مواضيع مشابهة

صدمة DeepSeek تغير قواعد اللعبة

بشكل مفاجئ، تهاوى النموذج التجاري الأصلي، القائم على تأجير وحدات معالجة الرسومات الفائقة، مثل Nvidia H100، لتدريب النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs). إذ شكل ظهور نماذج أكثر كفاءة من حيث التكلفة، مثل DeepSeek R1، لحظة فاصلة، بحسب الأستاذ هان تشينغ كاو من جامعة إيموري. وتحول التركيز من بناء نماذج ضخمة إلى تحسين استخدام النماذج الحالية.

لقد غير هذا التحول احتياجات العتاد بشكل جذري. حيث باتت الأولوية لعمليات «الاستدلال اللحظي (Inference)» بدلاً من التدريب الموسع، ما يتطلب خوادم أكثر خفة واستجابة أسرع، بعكس ما بُني عليه معظم مراكز البيانات الجديدة، خاصة تلك الموجودة في مناطق نائية بعيدة عن المدن التقنية الكبرى، حيث تتوفر الأرض والطاقة الرخيصة لكن ينعدم الاتصال الفعال بالأسواق.

بسبب هذا التحول، انهار سوق تأجير وحدات معالجة الرسومات. فخادم Nvidia H100 الذي كان يؤجر شهرياً بنحو 180 ألف يوان (24,000 إلى 28,000 دولار)، أصبح الآن متاحاً مقابل 75 ألف يوان فقط (حوالي 10,000 دولار). وباتت بعض الشركات تفضل حالياً إبقاء منشآتها خامدة على تشغيلها جزئياً وتحمل تكاليف الكهرباء والصيانة.

في مفارقة لافتة، يقول لي شياو، المقاول العقاري السابق الذي دخل قطاع البيانات: «رغم أن الصين تدفع أعلى الأسعار للحصول على شرائح Nvidia، إلا أن أسعار التأجير في السوق منخفضة جداً، بسبب الفجوة بين طاقة العرض الخام واحتياجات الاستخدام الفعلية.» وعلى الرغم من قيود التصدير الأمريكية، لا تزال شرائح متقدمة مثل H100 تدخل إلى الصين، لكن الطلب بدأ يتحول إلى نماذج مثل Nvidia H20، المصممة خصيصاً لتلائم السوق الصينية.

هل هو شر لا بد منه؟ بكين تصر على المضي قدماً

برغم هذا الإخفاق الظاهري، لا تبدو الحكومة المركزية في بكين عازمة على التراجع. ففي ندوة عقدت مطلع عام 2025، جددت السلطات التأكيد على أن بناء القدرات الذاتية في الذكاء الاصطناعي لا يزال أولوية استراتيجية وطنية. وبدورها، أعلنت شركات تقنية عملاقة مثل Alibaba Group عن خطط لاستثمار أكثر من 50 مليار دولار في البنية السحابية والذكاء الاصطناعي، بينما تعهدت ByteDance بضخ نحو 20 مليار دولار، في جهود تعكس ما يجري في الولايات المتحدة من استثمارات ضخمة مثل مبادرة Stargate التي يشارك فيها OpenAI وSoftBank وOracle.

إزاء ذلك، يرى خبراء أن القيادة الصينية تعتبر ما يحدث حالياً مجرد «آلام نمو» لا مفر منها. وبهذا الصدد، أشار جيمي غودريتش إلى أن مصير المشاريع الفاشلة والأصول المتعثرة هو الدمج وإعادة الهيكلة على يد الدولة.

أما في الوقت الراهن، فما زالت الكثير من المنشآت المكلفة عالقة بين واقع فائض العرض وتغير معايير السوق. وقد غادر بعض رواد القطاع المشهد بالفعل، وسط توافق عام في الرأي على أن ما يتطلبه مستقبل الذكاء الاصطناعي ليس البنية التحتية بقدر ما هو الخطط الجادة لتطبيق التقنية فعلياً.

شارك المحتوى |
close icon