بحث يؤكد: معظم فيديوهات يوتيوب دون تعليقات أو إعجابات، ومتوسط المشاهدات للفيديو هو 41 فقط
![الحقيقة خلاف الشائع، بحث أكاديمي يكشف المستور عن YouTube مقبرة للمحتوى مما هب ودب](https://cdn.menatech.net/wp-content/uploads/2025/02/%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%82%D9%8A%D9%82%D8%A9-%D8%AE%D9%84%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D8%B4%D8%A7%D8%A6%D8%B9%D8%8C-%D8%A8%D8%AD%D8%AB-%D8%A3%D9%83%D8%A7%D8%AF%D9%8A%D9%85%D9%8A-%D9%8A%D9%83%D8%B4%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%88%D8%B1-%D8%B9%D9%86-YouTube-%D9%85%D9%82%D8%A8%D8%B1%D8%A9-%D9%84%D9%84%D9%85%D8%AD%D8%AA%D9%88%D9%89-%D9%85%D9%85%D8%A7-%D9%87%D8%A8-%D9%88%D8%AF%D8%A8-750x430.jpg)
⬤ كشف بحث أكاديمي عن إحصائيات وأرقام دفينة في YouTube عبر آلية اختبار شامل لروابط الفيديوهات.
⬤ أظهرت الدراسة أن 74% من الفيديوهات لا تحتوي على أي تعليق، و89% منها لم تحصل على إعجاب.
⬤ يقدر أن المنصة تحمل أكثر من 14 مليار فيديو، بمتوسط 41 مشاهدة فقط لكل فيديو (4% دون أي مشاهدات).
لطالما أحاط الغموض بجوهر منصة YouTube، المملوكة لشركة Google، ليخلق فيضاً من الأسئلة الكبرى حول منظومتها الأوسع دونما إجابات واضحة. ورغم أن الشركة تتفاخر بمدى انتشارها وتأثيرها العالمي، إلا أنها تحافظ على سرية صارمة بشأن البيانات الفعلية الدقيقة المتعلقة بالمحتوى وسلوك المستخدمين. لكن ذلك الحاجز تكسر بفعل مشروع بحثي رائد اعتمد نهجاً غير تقليدي، كاشفاً عن حقائق مفاجئة حول طبيعة هذا الكيان الرقمي العملاق، ومثيراً تساؤلات جوهرية حول دوره في المجتمع الحديث.
على الدوام، شكا الخبراء من ندرة المعلومات المتاحة عن YouTube، فعلى الرغم من كونه أحد أقوى أدوات الاتصال في التاريخ، بمجموع مستخدمين أكثر من ثلث سكان العالم، إلا أن البيانات الأساسية المتعلقة به بعيدة فعلياً عن متناول الباحثين. ورغم إعلان Google عن أرقام مثل إجمالي ساعات المشاهدة اليومية عبر شاشات التلفاز، فإنها تمتنع عن الإفصاح عن إجمالي عدد المشاهدات، أو إجمالي عدد الفيديوهات المنشورة، أو تفاصيل تصنيف المحتوى.
بهذا الصدد، يرى بول باريت، الباحث في مركز ستيرن للأعمال وحقوق الإنسان بجامعة نيويورك، أن هذا التعتيم قد يكون جزءاً من استراتيجية متعمدة تتبعها Google للتقليل من حجم تأثيرها الفعلي، وعدم إبراز ضخامة حضورها على صعيد المجتمع الرقمي العالمي.
لمواجهة هذا التحدي، ابتكر فريق بقيادة إيثان زوكرمان من جامعة ماساتشوستس في أمهرست طريقة مبتكرة، وإن بدت غير اعتيادية. فنظراً لصعوبة تحليل مليارات الفيديوهات يدوياً، قام الفريق بتطوير برنامج حاسوبي مهمته توليد روابط محتملة لفيديوهات على YouTube عشوائياً، ومن ثم التحقق مما إذا كانت تلك الروابط تقود إلى محتوى حقيقي. أي أنها عبارة عن أداة استخراج (Scraper)، كما أطلق عليها زوكرمان، مشبهاً إياها بآلية محاولات اتصال عشوائي بأرقام هواتف وصولاً لاكتشاف الصالحة والمستخدمة منها، لكن على نطاق غير مسبوق.
كان حجم المهمة المقبلة هائلاً، إذ تتبع روابط فيديوهات YouTube صيغة ثابتة تنتهي بسلسلة مكونة من 11 حرفاً فريدة لكل فيديو. وعليه، اعتمد البرنامج على توليد مجموعات عشوائية من هذه الأحرف، واختبارها واحدة تلو الأخرى.
بادئ الأمر، قام الباحثون بتجربة أكثر من 18 تريليون تركيبة للروابط، ليتمكنوا في النهاية من تحديد ما يزيد قليلاً عن 10 آلاف فيديو فقط، وكان أن واجهوا معدل 1.87 مليار محاولة فاشلة مقابل كل رابط صالح. وعلى سبيل المقارنة، سيتطلب البحث يدوياً بذلك النهج أكثر من 178 عاماً للعثور على فيديو واحد، بافتراض أن الشخص يجري محاولة كل ثلاث ثوان.
أتاح هذا النهج الفريد للباحثين استخلاص رؤى غير مسبوقة حول المنصة. وبناء على تحليلهم للعينات التي جمعوها مع اكتمال التجربة، يقدر الفريق أن YouTube استضاف نحو 14.8 مليار فيديو بحلول منتصف عام 2024، بزيادة بلغت 60% مقارنة بتقديرهم لعام 2022 الذي بلغ 9 مليارات فيديو. لكن هذه الأرقام تخفي واقعاً مختلفاً عن الصورة الشائعة للمنصة كعالم يعج بالمؤثرين والمحتوى سريع الانتشار. فقد كشفت الدراسة عن فجوة هائلة بين هذا التصور وحقيقة تفاعل المستخدمين فعلياً، إذ إن متوسط عدد المشاهدات لكل فيديو لا يتجاوز 41 مشاهدة فقط، في حين أن 4% من الفيديوهات لم تحصد أي مشاهدة على الإطلاق. والأمر لا يقتصر على المشاهدات، إذ إن 74% من الفيديوهات لا تحتوي على أي تعليق، في حين لم يحصل 89% على أي إعجاب.
علاوة على ذلك، تتحدى الدراسة الفكرة السائدة بأن YouTube منصة يهيمن عليها المحتوى الاحترافي. فقد أظهر تحليل العينة أن نسبة ضئيلة للغاية، لا تتجاوز 0.21%، من الفيديوهات تحتوي على ميزات تحقيق الدخل مثل الرعايات أو الإعلانات. كما أن أقل من 4% فقط تضمنت دعوات ترويجية تحث المشاهدين على إجراءات مثل الإعجاب، أو التعليق، أو الاشتراك. أما من حيث جودة الإنتاج، فقد تبين أن 14% فقط من الفيديوهات تضمنت إعداداً بصرياً متعمداً مخططاً، بينما أظهرت 38% منها فقط مؤشراً على إجراء عمليات تحرير أو مونتاج.
فضلاً عن هذا، كان التصوير المهتز سمة بارزة في أكثر من نصف الفيديوهات، في حين اتسمت جودة الصوت بعدم الاستقرار في الغالبية العظمى منها. والمثير للاهتمام أن 40% من الفيديوهات لم تتضمن أي حديث، بل كانت مجرد مقاطع موسيقية، بينما بلغ متوسط طول الفيديو على YouTube 64 ثانية فقط، مع الإشارة إلى أن أكثر من ثلث الفيديوهات لا يتجاوز 33 ثانية في مدته.
تطرق الدراسة إلى لغات الفيديوهات على المنصة أيضاً، ولم يكن من المفاجئ تصدر اللغة الإنجليزية، لكن بنسبة ما دون 30%، تلتها الهندية بفارق كبير بنسبة نحو11%، ومن ثم الإسبانية، فالبرتغالية، فالروسية، فاللغة العربية بالمرتبة السادسة بنحو 6% فقط.
تكشف هذه النتائج عن صورة مغايرة تماماً لما تروج له YouTube عن نفسها باعتبارها هوليوود العصر الجديد، وبوابة المبدعين لبناء مسيرتهم المهنية، وحيث تزدهر صناعة المحتوى الاحترافي، كما أشار الرئيس التنفيذي، نيل موهان، في خطابه السنوي مؤخراً. ويؤكد ريان مكرادي، أحد الباحثين البارزين في المشروع، أن الواقع أكثر تعقيداً، إذ توضح البيانات أن دور المنصة الفعلي مختلف تماماً؛ فهي انعكاس وجزء أساسي من البنية التحتية الرقمية، وتجسد مستودعاً ضخماً لتحميل وتخزين الفيديوهات لأغراض متنوعة، بدءاً من التعبير الشخصي عن الأفكار، والمحتوى الخاص، ووصولاً إلى بث اجتماعات المجالس المحلية والحكومية.
يثير هذا المنظور تساؤلات جوهرية حول مستوى الشفافية والتنظيم الذي تلتزم به Google عامة. وهي وإن كانت شركة خاصة تمتلك الحق في إدارة منصتها وفقاً لرؤيتها، يرى الباحثون أن حجم YouTube الهائل وتأثيرها المجتمعي يفرضان إعادة النظر في دورها، وضرورة مراعاة مستوى أعلى من الشفافية، لا سيما فيما يتعلق بالبيانات التشغيلية الأساسية.
مع تزايد تأثير منصات التواصل الاجتماعي في تشكيل الخطاب العام والحياة المدنية، يصبح فهم آليات عملها، بما في ذلك أبسط المؤشرات الإحصائية، أمراً بالغ الأهمية لتعزيز النقاش العام المستنير وضمان حوكمة مسؤولة للمنصات الرقمية. وتبقى هنالك حاجة إلى مزيد من البحث وإتاحة البيانات لفهم التأثير الحقيقي لعمالقة الفضاء الرقمي بشكل كامل، فما جرى تقديمه في البحث المذكور ذاك ليس إلا خطوة أولى، وما خفي أعظم.