باستخدام كاميرات الهواتف: علماء يصنعون حساساً بدقة 3.84 جيجابكسل «لرصد المادة المضادة»

⬤ استخدم علماء حساسات 60 كاميرا هاتف ذكي لرصد إفناء المادة المضادة بدقة غير مسبوقة.

⬤ حقق الجهاز المبتكر دقة تصوير 0.6 ميكرومتر،35 مرة أعلى بالمقارنة مع الأساليب السابقة.

⬤ يمثل هذا الإنجاز نموذجاً متواضعاً لأدوات علمية فائقة من تقنيات استهلاكية متوافرة تجارياً.

في خطوة غير تقليدية تمزج بين تقنيات الاستهلاك اليومي وأبحاث الفيزياء الأساسية، تمكن علماء في المنظمة الأوروبية للأبحاث النووية (CERN)، داخل «مصنع المادة المضادة،» من توظيف حساسات كاميرات الهواتف الذكية لتقصي واحدة من أكثر الظواهر الطبيعية مراوغة، إفناء البروتونات المضادة (Antiproton Annihilation)، وبدقة لا مثيل لها.

أشرف على هذا الابتكار البحثي فريق تجربة المادة المضادة من حيث الجاذبية، والتداخل، والتحليل الطيفي (AEgIS)، بقيادة البروفيسور كريستوف هوغنشميدت من مركز أبحاث النيوترونات FRM II التابع لجامعة ميونخ التقنية (TUM)، وقد أُطلق على الجهاز الجديد اسم OPHANIM (اختصاراً لعبارة Optical Photon and Antimatter Imager)، وجرى نشر تفاصيله في مجلة Science Advances، ويقدم دقة تصوير تبلغ نحو 0.6 ميكرومتر، وهو تحسن بمقدار 35 مرة مقارنة بالأساليب السابقة لرصد المادة المضادة في الزمن الحقيقي، ما يمثل قفزة علمية هائلة في هذا المجال.

تثمل التحدي الرئيسي الذي واجه تجربة AEgIS، جنباً إلى جنب مع تجارب مماثلة مثل ALPHA وGBAR في CERN، في قياس تأثير جاذبية الأرض بدقة على ذرات نقيض الهيدروجين. ولتحقيق ذلك، اعتمد AEgIS نهجاً فريداً يتمثل في إطلاق حزمة أفقية من نقيض الهيدروجين، ثم قياس انحرافها الطفيف نحو الأسفل باستخدام جهاز مقياس انحراف مواريه، إلى جانب كاشف قادر على تحديد الموقع الدقيق الذي يتم فيه تفاعل الإفناء عند اصطدام نقيض الهيدروجين بالمادة.

حول ذلك، يشرح فرانشيسكو غواتييري، الباحث الرئيسي في الدراسة من TUM، الحاجة إلى كاشف يتمتع بدقة مكانية عالية للغاية حتى تعمل تجربة AEgIS، وهو أمر متوافر قي حساسات الكاميرا المستخدمة في الهواتف المحمولة، والتي تحتوي على بكسلات أصغر من ميكرومتر واحد.

مواضيع مشابهة

لتلبية هذا المطلب، قام الفريق بدمج ستين حساس تصوير ضوئي بدقة 64 ميغابيكسل، كانت قد أثبتت سابقاً فعاليتها في تصوير البوزيترونات منخفضة الطاقة، في مصفوفة واحدة مركبة. والنتيجة، حساس افتراضي مذهل تبلغ دقته الإجمالية 3.84 جيجابيكسل، ما يجعله الكاشف البصري الأعلى دقة على الإطلاق حتى الآن.

لكن تهيئة هذه الحساسات لتلائم البيئة المعقدة لتجارب فيزياء الجسيمات لم تكن بالمهمة السهلة. وبهذا الصدد، يوضح غواتييري أن الفريق «اضطر لإزالة الطبقات الأولى من الحساسات،» والمصممة للتعامل مع الإلكترونيات المتقدمة في الهواتف الذكية. وقد تطلبت هذه العملية الدقيقة خبرة عالية في التصميم الإلكتروني والهندسة الدقيقة، ما مكن الحساسات المعدلة من التقاط الأنماط الضوئية الخافتة الناتجة عن أحداث الإفناء مباشرة.

تاريخياً، اعتمد الباحثون على الألواح الفوتوغرافية التي توفر دقة عالية لكنها تفتقر إلى الميزة الجوهرية، وهي التفاعل الفوري. أما الآن، فقد أصبح بالإمكان الجمع بين دقة الألواح الفوتوغرافية والتشخيص الزمني الفوري، بالإضافة إلى المعايرة الذاتية وسطح ملائم لتجميع الجسيمات، وكل ذلك في جهاز واحد فقط.

من المفارقات اللافتة أن تحقيق هذه الدقة القياسية تطلب عاملاً غير متوقع، ألا وهو الحدس البشري. ولهذا الغرض، استعان فريق AEgIS بزملائهم لتحليل أكثر من 2,500 صورة يدوياً، بهدف تحديد مواقع الإفناء بدقة. وقد أثبتت هذه الجهود تفوقاً واضحاً على أي خوارزمية جرى اختبارها، رغم كونها مرهقة وتستغرق ما يصل إلى 10 ساعات لكل شخص.

لكن إمكانات OPHANIM لا تقتصر على تحديد مواقع الإفناء فقط، بل تمتد إلى مجالات أكثر تعقيداً. فوفقاً للمتحدث باسم AEgIS، الدكتور روجيرو كارافيتا، «تتيح هذه الدقة الفائقة التمييز بين شظايا الإفناء المختلفة.» فبقياس عرض المسارات التي تخلفها الجسيمات الناتجة، يمكن للعلماء التفريق بين جسيمات مثل البروتونات والبيونات، وهو ما يفتح آفاقاً جديدة لدراسة تفاعلات المادة المضادة منخفضة الطاقة مع المواد.

علاوة على ذلك، يبرز نجاح OPHANIM كنموذج منخفض التكلفة لإنتاج أدوات علمية عالية الأداء من تقنيات استهلاكية متاحة تجارياً، ما يفتح الباب أمام استخداماتها في مجالات أخرى تتطلب رصداً دقيقاً عالي الدقة لمسارات الجسيمات.

شارك المحتوى |
close icon