باحثون: السماعات العازلة للضوضاء ربما تفقد اليافعين قدرات الدماغ السمعية

⬤ يحذر خبراء من احتمال ارتباط سماعات إلغاء الضوضاء بانتشار اضطرابات المعالجة السمعية بين الشباب.

⬤ تعتمد هذه السماعات على حجب الأصوات المحيطة، مما قد يضعف قدرة الدماغ على تفسير الأصوات.

⬤ يدعو المختصون إلى استخدام متوازن لتلك السماعات، مثل تقليل المدة أو تفعيل أوضاع الشفافية.

باتت سماعات إلغاء الضوضاء من أساسيات الحياة الحديثة، سواء للعمل بتركيز، أو الاستمتاع بالمحتوى الترفيهي، أو التنقل بهدوء. غير أن خبراء يحذرون من احتمال تسببها بمشكلة صحية غير متوقعة. فقد أبلغ اختصاصيو السمع عن وجود صلة محتملة بين الانتشار الواسع لهذه الأجهزة وتزايد حالات اضطراب المعالجة السمعية (APD) بين الشباب.

اضطراب المعالجة السمعية هو حالة عصبية تعيق الدماغ عن تفسير الأصوات، لا سيما الكلمات المنطوقة وسط ضجيج الخلفية والأجواء. ويعاني المصابون به من صعوبة في فهم المحادثات في البيئات الاجتماعية، واتباع التعليمات في العمل أو الدراسة، ومعاناة في مواكبة المتحدثين بسرعة، أو استيعاب كلام أصحاب اللهجات غير المألوفة. وقد أرجع الباحثون والأطباء هذا الاضطراب سابقاً إلى إصابات الدماغ في الطفولة، أو التهابات الأذن، أو عوامل وراثية. بيد أن تزايد الحالات بين البالغين الشباب من دون وجود هذه العوامل المعروفة دفع الخبراء إلى البحث عن سبب جديد محتمل، سماعات إلغاء الضوضاء.

ظهرت تلك المخاوف بعد ملاحظة أخصائيي السمع في أقسام هيئة الخدمات الصحية الوطنية (NHS) في إنكلترا تزايد الإحالات الطبية لشباب يشكون من مشكلات سمعية، مع أن الفحوصات السمعية التقليدية لهم غالباً ما تظهر نتائج طبيعية. وهو ما يشي بأن المشكلة تكمن في قدرة الدماغ على معالجة الأصوات وليس في الأذن نفسها.

سماعات إلغاء الضوضاء

يكمن القلق الأساسي في كيفية عمل تقنية إلغاء الضوضاء، إذ تقوم السماعات الداعمة لهذه التقنية بحجب الأصوات المحيطة، مثل ضجيج المرور أو أحاديث المقاهي، لتخلق بيئة سمعية متحكماً بها. وعلى الرغم من فوائدها العديدة، يخشى الخبراء أن يؤدي الاستخدام المطول والمتكرر لهذه التقنية إلى «تعطيل» قدرة الدماغ الطبيعية على تصفية الأصوات وترتيبها بحسب الأولوية، إذ لا يسمع الشخص إلا ما يختار سماعه، ويتضاءل مجهود ومشاركة الدماغ في العملية. وهو ما قد يقوض مهارات الاستماع المتقدمة التي تنضج عادة في أواخر سن المراهقة.

تثير هذه العلاقة المحتملة قلقاً متزايداً، بعد انتشار هذه السماعات كثيراً في السنوات الأخيرة، لا سيما في أوساط الجيل Z. وحتى مع اختلاف التصميمات، والتقنيات، ومستويات العزل الصوتي والشفافية بين الطرازات المختلفة لا يغير ذلك من واقع أن الدماغ يتعامل مع بيئة سمعية مُعدَّلة بشكل غير طبيعي.

مواضيع مشابهة

من بين الحالات التي تجسد تلك المشكلة الكبيرة فتاة شابة تبلغ من العمر 25 عاماً، اسمها سوفي، تعمل مساعدة إدارية في لندن، وقد اعتادت استخدام سماعات عزل الضجيج بمعدل يصل إلى خمس ساعات يومياً.

بعد سنوات من وصف سوفي بأنها مشتتة الذهن أو مستمعة سيئة، تم تشخيص حالتها بعدما واجهت صعوبة كبيرة في تمييز الكلام وسط الضجيج، إلى حد أن الكلمات بدت لها أشبه «بالخربشة» خلال محاضراتها الجامعية. وللتكيف مع هذه المشكلة، لجأت إلى حضور المحاضرات عبر الإنترنت مع تفعيل الترجمة النصية، كما أصبحت تتجنب الأماكن الاجتماعية الصاخبة بسبب التحفيز الحسي الزائد.

في هذا السياق، يؤكد الدكتور أمجد محمود، رئيس قسم السمعيات في مستشفى Great Ormond Street بإنكلترا، أن الطلب على تقييم اضطراب المعالجة السمعية قد شهد زيادة ملحوظة، خصوصاً بين الأطفال الذين يعانون من صعوبات في التعلم داخل المدارس. لكن عملية التشخيص طويلة ومعقدة، وتستغرق قرابة ساعتين، وتتطلب أحياناً فحوصات إضافية من أخصائيي علم النفس التربوي والمعرفي.

بالحديث عن العلاجات المتاحة للحالة، فهي متنوعة وتشمل تدريبات إدراك الكلمات وسط الضجيج باستخدام تطبيقات أو تمارين التمييز السمعي. كما يمكن استخدام الميكروفونات أو أجهزة السمع ذات التضخيم المنخفض في بعض الحالات.

علاجات اضطراب المعالجة السمعية

بطبيعة الحال، ورغم الحاجة لمزيد من الأبحاث في هذا المجال، تبرز تعقيدات جمة أمام الدراسات العلمية، نظراً لوجود عوامل متغيرة عديدة، مثل طبيعة الأصوات، ومستويات إلغاء الضوضاء، والفئات العمرية المختلفة.

رغم الغموض الذي لا يزال يحيط بهذه القضية، يدعو الخبراء إلى اتباع نهج متوازن في استخدام سماعات عزل الضجيج. ومن بين المقترحات تقليل مدة الاستخدام، والاستفادة من أوضاع الشفافية التي تسمح بإمرار بعض الأصوات المحيطة، واختيار أنواع من السماعات لا تعزل الأذن تماماً عن البيئة الخارجية.

يثير هذا القلق المتنامي تساؤلات أوسع حول التأثيرات طويلة الأمد للبيئات الحسية الخاضعة للتحكم بشكل متزايد، ومنها نظارات الواقع الافتراضي على سبيل المثال، ومدى انعكاس ذلك على التطور الإدراكي ومعالجة المعلومات الحسية، خاصة لدى الأجيال الشابة.

شارك المحتوى |
close icon