العامل البشري في الأمن السيبراني: الموظفون هم الدفاع الأقوى
مقال ضيف بقلم الدكتور وائل كانون، المدير التنفيذي لقسم أعمال حلول الدفاع السيبراني التابع لشركة تاليس في منطقة الشرق الأوسط
لم يعد الخطأ البشري مجرد ثغرة بسيطة، بل تزايد الاعتراف به على أنه واحد من الأسباب الرئيسية للهجمات السيبرانية. حيث كشف تقرير حديث صادر عن مدراء أمن المعلومات (CISO) أن مدراء أمن المعلومات في الإمارات العربية المتحدة قلقون بشكل خاص، حيث حددوا المخاطر البشرية باعتبارها التحدي الأساسي للأمن السيبراني للعامين القادمين على الأقل.
إن تكنولوجيا الأمن السيبراني المتطورة ضرورية، لكنها ليست الحل السحري، فقد يؤدي خطأ واحد في الحكم، أو نقرة خاطئة، أو كلمة مرور يمكن تخمينها بسهولة إلى جعل حتى أكثر وسائل الدفاع تطوراً عديمة الفائدة، ما يعرض المؤسسة للخطر الدائم المتمثل في التهديدات السيبرانية.
وهذا يسلط الضوء على احتياج المؤسسات لإعطاء الأولوية للتدريب على الوعي الأمني وتنفيذ بروتوكولات أمنية قوية للتقليل من المخاطر.
تخيل منزلك، مجهزاً بأحدث أنظمة الأمان الذكية، من أجهزة استشعار الحركة إلى الكاميرات وأقفال بصمات الأصابع وغيرها. وتطبيق على الهاتف المحمول يسمح لك بمراقبة كل شيء. وتستقر في شعورك بالأمان الذي لا يمكن اختراقه. لا أحد، كما تعتقد، يمكنه اختراق هذه القلعة.
ولكن في صباح واحد من الأيام، يغير خطأ بسيط كل شيء. أنت في عجلة من أمرك، وفي لحظة ترتكب فيها خطأً بشرياً، تترك الباب الأمامي مفتوحاً قليلاً. هذا الإغفال البسيط هو كل ما يتطلبه الأمر. ويدخل شخص متسللاً عبر الدفاعات المتقدمة، كما لو لم تكن موجودة في البداية. بمجرد دخوله، يتمتع المتسلل بحرية التصرف في المنزل، على الرغم من جميع أنظمة الأمان الموجودة والتي تصبح عديمة الفائدة بسبب عيب واحد ألا وهو خطأ بشري صغير.
يوضح هذا المثال البسيط حقيقة قاسية وهي أنه حتى أفضل البنى التحتية للأمن السيبراني يمكن أن تتعطل بسبب خلل واحد في اليقظة البشرية. يجب أن نضع في اعتبارنا أن قوة سلسلة الأمن السيبراني تُقاس بأضعف حلقاته. إن الأخطاء الروتينية مثل كلمات المرور الضعيفة، أو تلك المخزنة بشكل غير صحيح، أو استخدام برامج قديمة، أو التعامل بإهمال مع البيانات، أو السماح لأشخاص غير مصرح لهم بالوصول إلى أجهزة الشركة، يمكن أن تؤدي بسهولة إلى تفكيك حتى أكثر الدفاعات تطوراً. ويتجاوز هيكل الأمن السيبراني الصامد الاعتماد على الأدوات المتطورة وحدها. إنه يعتمد على قوة عاملة تتمتع بالمعرفة واليقظة، ما يجعل الوعي بالأمن السيبراني والتدريب ليس فقط مهماً، بل ضرورياً لعدة أسباب رئيسية.
السبب الأول، هو التأثير الذي لا يمكن إنكاره للتدريب الشامل. فهو يخفف بشكل كبير من خطر اختراق البيانات وهجمات التصيد. في حين أن تحديد العدد الدقيق لعمليات الاختراق التي منعها التدريب أمر صعب، فإن توفير التكلفة المحتملة لا يمكن إنكاره. فعملية اختراق البيانات قد تكلف المؤسسات الملايين، ما يجعل تدريب الأمن السيبراني الشامل استثماراً حكيماً وفعّالاً من حيث التكلفة. ويقدم برنامج التدريب القوي، إلى جانب التتبع الدقيق لحوادث الأمن السيبراني، صورة واضحة عن فعاليته ويؤكد على دوره الحاسم في حماية أصول المؤسسات.
أما السبب الثاني فهو أن المعرفة والتدريب يتجاوزان منع التهديدات المباشرة، فهما يزرعان تحولاً ثقافياً قوياً داخل المؤسسات: أي تبني الأمن الذي يركز على الناس. ويتجاوز هذا النهج لعبة توجيه اللوم المرتبطة غالباً بالخطأ البشري، ويُمكّن الموظفين بدلاً من ذلك من العمل كخط دفاع أول. ومن خلال تزويدهم بالمعرفة والأدوات واليقظة لتحديد المخاطر وتجنبها، تعمل المؤسسات على تعزيز الشعور الجماعي بالمسؤولية، وتحويل نقاط الضعف المحتملة إلى جدار حماية بشري هائل.
وتقليدياً، كان الموظفون ولا يزالون يُنظر إليهم على أنهم الحلقة الأضعف، والمعرضة للتصيد الاحتيالي والاحتيال وغير ذلك من التهديدات الإلكترونية، ما يجعلهم مسؤولين. ومع ذلك، فإن الأمن الذي يركز على الناس يتحدى هذا الرأي. فبدلاً من إلقاء اللوم على الموظفين عندما يقعون ضحية لهجوم تصيد احتيالي، يؤكد هذا النهج على الحاجة إلى التعليم، وتعليمهم كيفية التعرف على رسائل البريد الإلكتروني المشبوهة، وتصميم أنظمة أكثر سهولة في الاستخدام، وتوفير تدريب عملي منتظم.
كما يتضمن ذلك مراعاة مخاوف الموظفين وردود أفعالهم لجعل بروتوكولات الأمان أكثر سهولة في الاستخدام، ما يسمح لهم بأن يصبحوا عنصر استباقي للأمن السيبراني، بدلاً من أهداف تفاعلية.
ثالثاً، يضمن تدريب الأمن السيبراني الامتثال للوائح التنظيمية وبناء الثقة. تخضع العديد من القطاعات، وخاصة في الشرق الأوسط، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة، للوائح الأمن السيبراني الصارمة التي تطلب من المؤسسات تنفيذ تدابير أمنية وتدريب مناسبين.
يمكن أن يؤدي عدم الامتثال إلى غرامات باهظة وعواقب قانونية وخسارة الأعمال. ومن خلال اتباع برنامج تدريب قوي للأمن السيبراني، يمكن للمؤسسات ضمان تلبية هذه المعايير التنظيمية. علاوة على ذلك، من المرجح أن يثق العملاء والشركاء في الشركات التي تعطي الأولوية للتدريب الأمني، عارفين أن بياناتهم في أيدٍ أمينة. وهذا يعزز العلاقات التجارية القوية ويعزز سمعة المؤسسة في سوق تنافسية.
أخيراً، يساعد التدريب السيبراني في تقليل أوقات الاستجابة وتحسين جهود استرداد البيانات. وفي حالة حدوث هجوم إلكتروني مؤسف، من المرجح أن يدرك الموظفون المدربون على الاختراق مبكراً ويتخذون إجراءات سريعة، ما يحد من الضرر. إن الفريق الذي يتمتع بمعلومات جيدة يمكنه اتباع بروتوكولات الاستجابة للحوادث المعمول بها، وتقليل وقت التعطل، وضمان استرداد المعلومات بشكل أسرع. كما يخفف هذا النهج من التأثير الطويل الأجل على سمعة المؤسسة. عندما يعرف الموظفون بالضبط ما يجب عليهم فعله في حالة وقوع حادث إلكتروني، تكون المؤسسة مستعدة بشكل أفضل للتعامل مع العواقب واستئناف العمليات العادية.
تقدم شركات التكنولوجيا الرائدة نفسها بصفتها حليف أساسي في مكافحة الجرائم الإلكترونية، مدركة أن الأمن السيبراني القوي يتطلب جهداً جماعياً. فهي تتبنى نهجاً استباقياً من خلال تقديم مبادرات تدريبية شاملة ومتكررة مصممة لتمكين المؤسسات والأفراد على حد سواء. يجب أن تشمل هذه البرامج مجموعة واسعة من جلسات التوعية الأساسية إلى التدريب الفني المتخصص والاستجابة للحوادث، وتزويد المشاركين بالمعرفة والمهارات اللازمة لمكافحة المشهد المتطور باستمرار للتهديدات الإلكترونية.
ومن الأمثلة البارزة مبادرة CyberNode، التي تم إطلاقها بالشراكة مع مركز دبي للأمن الإلكتروني (DESC)، والتي تركز على تطوير قوة عاملة متخصصة في مجال الأمن السيبراني. لا تعمل هذه المبادرة على تعزيز الجاهزية السيبرانية فحسب، بل تدعم أيضاً رؤية دبي الأوسع نطاقاً الرامية إلى تحول رقمي ونمو اقتصادي. ومن خلال مشاريع مثل مجمع دبي لابتكارات الأمن السيبراني، تعمل هذه الجهود على تعزيز الابتكار وضمان حماية البنية الأساسية الحيوية للمدينة من المخاطر السيبرانية سريعة التطور وذلك من خلال بناء مجتمع ذكي سيبراني.
إن القوة الحقيقية للأمن السيبراني لا تكمن فقط في جدران الحماية والخوارزميات، بل في القوى العاملة القادرة على أن تكون درعه البشري. والاستثمار في معرفتهم ويقظتهم هو أهم سلاح ي ضد الجرائم السيبرانية.