الشركات في المملكة العربية السعودية تعيد صياغة مفاهيم التفاعل مع العملاء
بقلم هيتارث باتيل، نائب رئيس قسم الأسواق الناشئة في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والأمريكيتين وآسيا والمحيط الهادئ لدى، WebEngage
تقف المملكة العربية السعودية على عتبة تحوّل هامة في تاريخها، فقد أصبحت رؤية السعودية 2030 محركاً رئيسياً للتحولات الاقتصادية والمجتمعية، وباتت التكنولوجيا الركيزة الأساسية لهذا التحول. ولم يعد التحوّل الرقمي خياراً تتخذه الشركات، بل أصبح ضرورة ملحّة للعديد من القطاعات. وفي ضوء سعي الشركات الحثيث نحو تبنّي أدوات ومنصات جديدة، يبقى السؤال الأهم: كيف لنا أن نضمن الاستفادة من هذه التغيرات في بناء علاقات مستدامة مع العملاء؟
الخدمات المالية وتجارة التجزئة تتصدران السباق نحو الرقمنة
نجحت بعض القطاعات في المملكة العربية السعودية بالفعل في تبنّي استراتيجيات فعالة، وترسي قطاعات الخدمات المالية وتجارة التجزئة والسفر نموذجاً رائداً للتفاعل الرقمي. فعلى سبيل المثال، شهد القطاع المالي قفزة نوعية كبيرة نحو التحول الرقمي. وتعتبر منصة «دراهم» التابعة لبنك الراجحي مثالاً مميزاً على هذا التحول؛ إذ توفر أدوات متطورة لتحليل البيانات ورؤى معمقة حول احتياجات العملاء وتجارب مخصصة وآمنة.
ويتقدم القطاعان التجاري والسياحي بخطى ثابتة نحو رقمنة العمليات. واستفادت التجارة الإلكترونية بدورها من طاقة جيل الشباب الملمّ بالتكنولوجيا الحديثة، في حين أعادت منصات مثل «المطار» رسم ملامح مفهوم التفاعل مع العملاء بالنسبة لقطاع خدمات السفر. وما كانت هذه النجاحات لتحقق لولا اعتماد التكنولوجيا الحديثة وتبنّي استراتيجيات فعالة تدمج الابتكار مع أدوات التخصيص وبناء الثقة.
الارتقاء بمفهوم التعامل مع العملاء
يفرض التحول الرقمي منافسة عالمية يفوز بها من يتبنّى أحدث الأدوات. ويُكتب النجاح للشركات التي تركز جهودها على مواكبة التطورات التكنولوجية واعتماد منهجية واضحة للحفاظ على العملاء. ولكن كيف يمكن تعزيز ولاء العملاء وسط عالم من الخيارات غير المحدودة؟
ترتسم ملامح الإجابة عند النظر إلى التفاعل مع العملاء بوصفه قناة لإقامة علاقات طويلة معهم وليس مجرد إجراء التعاملات التقليدية فقط، وذلك من خلال دمج البيانات من نقاط اتصال رقمية وغير رقمية. فكلما تعمقنا بفهم احتياجات العميل ومتطلباته، بات من الأسهل التنبؤ باحتياجاته، مما يضمن تحسين مستويات القيمة الدائمة للعميل. ويؤدي الذكاء الاصطناعي كذك دوراً بارزاً في دعم سعي الشركات نحو تقديم تجارب ملائمة وذات طابع شخصي في الوقت المناسب. في حين ينتظر العملاء من الشركات أن تكون على دراية مسبقة بمتطلباتهم، والشركات التي تستطيع مواكبة هذه التوقعات هي الأجدر بولائهم.
ويختلف استعداد العملاء للخوض في التجارب الرقمية أولاً؛ إذ تعتبر البساطة في التعامل مع بعض فئات العملاء هي المفتاح للارتقاء بسويات ولائهم. كما يمكن الاستفادة من وسائل الدعم متعدد اللغات وواجهات التطبيقات سهلة الاستخدام والمحتوى الملائم ثقافياً لإحداث فارق كبير. يرتقي مفهوم الشمولية بأخلاقيات العمل لتصبح أعمالاً تجارية ناجحة. وكلما كان الوصول إلى المنصات أسهل، زادت فرص استقطاب فئات أوسع من العملاء إلى منظومة العمل.
أهمية الشمولية
يعتبر التنوع أحد أبرز سمات النسيج الثقافي والاجتماعي في المملكة، وهو يفرض في الوقت ذاته تحديات جديّة. ولا يمكن للشركات أن تعامل جميع العملاء بالأسلوب ذاته بسبب اختلاف استعدادهم لخوض التجارب الرقمية.
يولي هواة التكنولوجيا اليافعون الأولوية لتوفير تجارب عملاء سلسة ومخصصة. وتعتبر شركة «طيران ناس» أبرز الأسماء في هذا المجال، حيث تقدم تفاعلات رقمية مخصصة تواكب توقعات الجيل الجديد.
كما تحتل الثقة مكانة بارزة في هذا المزيج. وتحظى خصوصية البيانات بأهمية تنظيمية وثقافية في المملكة العربية السعودية، إذ يتوجب على الشركات إثبات قدرتها على حماية معلومات العملاء. ومن المتوقع إنشاء بنية تحتية محلية للبيانات في المملكة بالمستقبل القريب لتعزيز ثقة العملاء وبالتالي تكريس ولائهم.
المرحلة الجديدة من توجهات الاحتفاظ بالعملاء
تقدمت بعض القطاعات بخطوات ثابتة نحو إرساء التحول الرقمي، بينما بدأت أخرى للتوّ باستكشاف إمكاناته. على سبيل المثال، بدأ قطاع العقارات في الانتقال من منهجية التركيز على علاقات التعامل التقليدية مع العملاء إلى بناء علاقات مستدامة معهم. ويستفيد المطورون من أدوات الذكاء الاصطناعي للتنبؤ بتفضيلات المشترين، وتقديم توصيات عقارية مخصصة، وحتى التنبؤ بمتطلبات الصيانة. ويساهم هذا التحول في تحسين مستوى رضا العملاء، ويفتح آفاقاً جديدة للإيرادات.
ومن جانبه، يعِد قطاع التعليم بإمكانات هائلة، ولا سيما في حقبة ما بعد كوفيد-19 وتحول التركيز نحو إنشاء منظومات رقمية داعمة لتجارب التعلم المخصصة. ويعدّ توفير تجارب سلسة للطلاب، ابتداءً من التسجيل وحتى التخرج، علامة فارقة في سباق الاحتفاظ بالطلاب أو خسارتهم لصالح المنافسين.
وعلى الرغم من التحديات الكثيرة، يتسم المستهلكون السعوديون بالدقة ويطالبون بمستوى عالٍ من الجودة. ويتعيّن على الشركات الالتزام الدقة لأن استعادة الثقة المفقودة أمر شبه مستحيل. وسيعود استثمار الشركات في أدوات التخصيص والتحليلات المدعومة بالبيانات والشمولية بنتائج مجزية تنعكس في زيادة الإيرادات وضمان ولاء العملاء على المدى الطويل.
فتحت التكنولوجيا الباب أمام نموذج جديد من علاقات العملاء في السعودية، ويقوم هذا النموذج على الفهم المتبادل والثقة والتفاعل الهادف. ويكمن التحدي اليوم في الاستفادة من الفرص المستقبلية الواعدة واستشراف مستقبل تجارب العملاء والتعامل معهم.