الشراكة بين الإنسان والآلة مفتاح النجاح لمستقبل تجربة العملاء
مقال ضيف بقلم رودولف الخوري، مدير عام شركة أڤايا في دبي والإمارات الشمالية
لا يزال الجدل الدائر حول ما يمكن للقدرات التقنية أن تصنعه مقابل القدرات البشرية غير حاسم، ولكن في هذه الحقبة التي تبرز فيها أهمية الذكاء الاصطناعي وتحليلات البيانات والحوسبة السحابة، نرى المزيد من الفرص التي تدفعنا نحو التفكير في سبل إحداث التكامل بين البشر والآلات وجعل الفريقين يعملان كفريق واحد، بدلاً من أن يكونا قوى متعارضة.
وإذا ما نظرنا إلى مجالات حيوية مثل تشخيص الأمراض، وتقديم تجارب سلسة للعملاء، وفهم الأمور المفضلة لدى المستهلكين وتقديم أفكار جديدة تتعلق بهم، نجد أن الشراكة بين الإنسان والآلة تتطور، حتى باتت أكثر تزامناً من أي وقت مضى، وفي هذا الأمر ما يجعل حياتنا أيسر وأسهل.
توقعات شركة “غارتنر” أظهرت أنه بحلول العام 2025، ستحلّ تحليلات البيانات ونماذج الذكاء الاصطناعي المبنية على سياقات محددة، محل 60 في المئة من النماذج الحالية المبنية على البيانات التقليدية، وسنرى أنواعاً جديدة من البيانات، كالبيانات غير المهيكلة مثل الصوت والفيديو والصور، تستفيد منها الشركات والمؤسسات في اكتساب مزايا تنافسية وتحقيق مزيد من القيمة وتطوير حالات استخدام وتطبيقات جديدة من شأنها أن تمهّد الطريق نحو حقبة تتمحور حول العملاء.
كل هذا يقدّم لمحة عن مستقبل الشراكة الوثيقة بين الإنسان والآلة، حيث نصوغ الأفكار وننسّق المهام ونبتكر باستخدام التقنيات والمعلومات التجارية. هذا النوع من الشراكة يحظى بالأهمية عندما يكون الهدف منه تمكين العملاء بأفكار مهمّة ذات طابع شخصي تساعدهم في اتخاذ قرارات مستنيرة حول شراء المنتجات أو الاشتراك في الخدمات، ما يؤدي بدوره إلى زيادة الثقة في الجهة المنتجة أو المقدمة للخدمة ورفع مستوى الولاء لها.
ومن الأمثلة الواقعية على ذلك وكيل خدمة افتراضي ذكي أو روبوت محادثة تستخدمه الشركات لتقديم خدمة ما أو إرشادات معينة لعملائها. وتستخدم روبوتات الدردشة الذكاء الاصطناعي والقواعد النصية لطرح الأسئلة وتحديد ماهية التحدّيات والردّ على استفسارات العملاء.
نظرياً، يبدو أن روبوتات المحادثة أضحت حلاً مضموناً لابتكار تجربة عملاء جيّدة المستوى وتقديمها بموارد بشرية أقلّ، لكن دراسة حديثة أجرتها أڤايا بالتعاون مع شركة “إبسوس” لأبحاث السوق أشارت إلى أن ثلث العملاء فقط مستعدون لأن يوصوا غيرهم بالتعامل مع وكلاء الخدمة الافتراضيين، نظراً لأن 50 في المئة فقط من المشاركين في الدراسة حُلّت مشكلتهم أو استُجيب لطلبهم من خلال محادثة مع روبوت.
ويُعزى “النجاح الناقص” هذا في جانب منه إلى التعقيدات المرتبطة بتطوير حلول فعالة لوكلاء الخدمة الافتراضيين وتقديمها للعملاء. فقد يستغرق بناء روبوت محادثة افتراضي وتوظيفه شهوراً، وهي مدّة طويلة نسبياً قد تشهد تغيّرات في الأمور التي يفضلها العملاء أو في العمليات التجارية أو حتى في المعلومات المؤسسية الأساسية، ما يجعل الاعتماد على روبوت المحادثة وحده فشل في الاستفادة من إمكانات الشراكة بين الإنسان والآلة.
في أڤايا، قدمنا حديثاً وكيل خدمة افتراضياً جاهزاً للتوظيف، وهو مصمم لتقديم المنافع الكاملة لتجارب الاتصال الافتراضية القائمة على الذكاء الاصطناعي، بالاعتماد على الشراكة بين الإنسان والآلة. هذا الحلّ يقلّل من حجم المكالمات الوارد إلى وكلاء الخدمة الأفراد، ويقلّل من متوسط وقت انتظار المكالمات، كما يزيد من إنتاجية الوكلاء الأفراد عبر إتاحة مجال مناسب أمامهم لحلّ المشاكل الأكثر تعقيداً لدى العملاء. على أن الأهم من ذلك يكمن في أن هذا الحلّ يسرّع من تحقيق القيمة المنشودة، ما يمكّن الشركات في غضون أيام قليلة من دمج قدرات عالية القيمة في تجربة العملاء، وهذا يعني إمكانية توسعة نطاق الجهود المبذولة في مجال الذكاء الاصطناعي مع ضمان الاستفادة من منصات تجربة العملاء القائمة، وبناء شراكة حقيقية بين الإنسان والآلة.
هذه الشراكة مربحة لجميع الأطراف؛ الشركة ووكيل مركز الاتصال والعميل. فالشركة أن تجهّز بسرعة كلّ أنواع التفاعلات التي يتوقعها عملاؤها، ووكيل مركز الاتصال يحظى بميزة الوصول إلى لوحة معلومات واحدة سهلة الاستخدام تلغي الحاجة إلى التدريب وتساعد على تخصيص المزيد من الوقت لتلبية توقعات العملاء، فيما سيرحّب العميل بمستوى الاستجابة المرتفع.
ومن شأن هذه القدرات التقنية المتقدّمة أن تقضي أيضاً على التصوّرات الخطأ التي تقول إن التقنية تحلّ محلّ البشر في الوظائف، والتي تنبع من عدم إجراء الشركات نقاشات مفتوحة مع موظفيها حول أهمية تبني الذكاء الاصطناعي في وظائف العمل. وقد أضحى من المعروف أن استخدام التقنية لأغراض محدّدة يساعد الموظفين على التركيز أكثر على ابتكار الأعمال والمهام ذات القيمة المضافة، بدلاً من قضاء الوقت في القيام بأعمال عادية. وتقع على عاتق الشركة في هذا السياق مسؤولية تعريف موظفيها بالكيفية التي تدعم فيها التقنية عملهم لتحقيق رضاهم.
قد تكون القدرات البشرية قاصرة في إدارة اقتصاد اليوم القائم على “التجربة” والمعتمد على تحليل البيانات للمنافسة، لكن الاعتماد كلياً على الآلات ليس هو النهج الصحيح، فالشركات والمؤسسات، وإن كانت بحاجة إلى قوة الأتمتة وسرعة الحساب التي يجلبها الذكاء الاصطناعي، فهي بحاجة أيضاً إلى البراعة البشرية المطلوبة لحل المشكلات المعقدة. ومن هنا يأتي مطلب التركيز على تبني تقنيات الذكاء الاصطناعي التي من شأنها أن تعزز مهارات الموظفين.