الشرائح الإلكترونية ومستقبل الذكاء الاصطناعي في السعودية – مقابلة مع FTI

تمر المنطقة بالكثير من التحولات المتسارعة، وبالأخص في المجال التقني وفيما يخص التقنية الثورية التي تشغل العالم اليوم: الذكاء الاصطناعي. ومع تزامن هذه الثورة التقنية مع طموحات المملكة العربية السعودية بأن تغدو مركزاً تقنياً عالمياً، استغلينا فرصة لقاء كل من السيدين خافيير ألفاريز، المُدير العام الأوّل ورئيس قطاع التكنولوجيا في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في شركة FTI Delta، وداميلولا أوجو، المُدير العام الأوّل ورئيس مركز التميّز في الذكاء الاصطناعي في منطقة الشرق الأوسط في شركة FTI Delta، وحدثانا عن منظورهما لمجال الذكاء الاصطناعي وتأثيره على المنطقة وكيف يمكن أن تستفيد المملكة من الثورة التقنية الحالية.

ما مدى متانة البنى التحتية للذكاء الاصطناعي في المملكة العربية السعودية؟ وهل من المتوقع أن ترتقي إلى مستوى الولايات المتحدة أو الصين يوماً ما؟

داميلولا

تحتلّ المملكة موقعاً ريادياً على صعيد الاستثمار في الذكاء الاصطناعي، فهي تُعَدّ من الدول الرائدة عالمياً فيما يتعلّق بالإنفاق على الذكاء الاصطناعي مقارنةً بالناتج المحلي الإجمالي. ويُعزى هذا الاندفاع إلى رؤية السعودية 2030 الاستراتيجية، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد الوطني بعيداً عن النفط والتركيز على التكنولوجيا والابتكار، بحيث يُشكّل الذكاء الاصطناعي ركيزة أساسية.

تؤدّي الحكومة السعودية الرشيدة دوراً مهمّاً في هذا المجال، بحيث تُشرف الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي (سدايا) على المبادرات المحلية المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي، من خلال إعداد القوانين والأنظمة والمبادئ التوجيهية ووضع أُطر العمل الأخلاقيّة لتطبيق هذه التكنولوجيا، بالتوازي مع إنشاء شراكات استراتيجية مع شركات التكنولوجيا الرائدة عالمياً.

خافيير

نلحظ الحاجة إلى تدريب عدد أكبر من المحترفين المتخصّصين داخل المملكة، مع التركيز على تطوير المواهب المحلية لإدارة البنية التحتية المتنامية للذكاء الاصطناعي. كالعادة، تقود الحكومة السعودية الرشيدة هذه الجهود، وتهدف «سدايا» إلى تدريب 25 ألف متخصّص في الذكاء الاصطناعي والبيانات بحلول عام 2030، وصقل المهارات الرقمية لدى 100 ألف شاب وشابة من الكوادر الوطنيّة.

صحيح أنّ الولايات المتحدة الأميركية والصين هما في طليعة الدول على صعيد تطوير الذكاء الاصطناعي، غير أنّ خطط المملكة الطموحة، واستثماراتها الاستراتيجية وقوانينها المتطوّرة لمُواكبة العصر، كلّها مُعطيات تُشير إلى إمكانيّة تقليص الفجوة في السنوات القادمة. مع العلم بأنّ قدرات الولايات المتحدة الأميركية والصين في مجال الذكاء الاصطناعي ستتطوّر بالتوازي مع التطوّر التكنولوجي، لذا فلا بدّ من الابتكار بصورة متواصلة وتعزيز القدرات المحلية لسدّ هذه الفجوة.

عندما نتحدّث عن جهوزيّة السعودية، ما هي العوائق التي تقف بوجه تحوّلها إلى قوة عظمى في مجال الذكاء الاصطناعي؟ وهل أطر العمل القانونية الحالية كافية لمواكبة هذه التطوّرات؟

خافيير

على صعيد منطقة دول مجلس التعاون الخليجي عموماً، فإنّ أحد التحديات الأساسية التي تقف بوجه تطوّر الذكاء الاصطناعي تكمن في التوطين المحدود للتقنيّات والقدرات.

لتسريع تطوير الذكاء الاصطناعي ضمن نطاق المملكة، لا بدّ من توطين الجهود البحثيّة بهدف دعم تطوير النماذج اللغوية الكبيرة (LLMs) ونشرها مع تطبيقات وخدمات تُلبّي الاحتياجات المحلية. علاوةً على ذلك، لا يُمكن تدريب هذه النماذج من دون توفير مجموعات بيانات ضخمة وذات جودة عالية، حيث إنّ لكلّ ثقافة ولغة خصوصيّاتها وأبعادها الأخلاقية والاجتماعية.

داميلولا

يتوجّب على المملكة العربية السعودية أن تُنشئ البنى التحتية اللازمة لتسريع تطوّر الذكاء الاصطناعي، بدءاً من مراكز البيانات الجاهزة للذكاء الاصطناعي وربط شبكات الألياف الضوئية. تنوي المملكة تحقيق هذا المشروع من خلال إنشاء صندوق بقيمة 40 مليار دولار للاستثمار في الذكاء الاصطناعي، على أن يُركّز هذا الصندوق على تخزين البيانات عالية التقنيّة وصناعة الرقائق الإلكترونية، ممّا قد يُساعد المملكة على تأسيس شركاتها الناشئة الخاصة في مجال الذكاء الاصطناعي، وبالتالي تعزيز منظومة محلية مستقلّة.

أمّا على صعيد القوانين والأنظمة المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي، فإنّ أنظمة مكتب إدارة البيانات الوطنية وقانون حماية البيانات الشخصية موجودة ونافذة فعلاً، وتُحدّد أطراً تنظيمية ستنضج مع مرور الوقت. علاوةً على ذلك، ثمّة ضوابط أخلاقيّة ومبادئ توجيهية متعلّقة بالذكاء الاصطناعي، بانتظار فرض قوانين لضبط الذكاء الاصطناعي على الصعيد الوطني. ومع ذلك، فإنّ المملكة في طور وضع حجر الأساس لأطر العمل الأخلاقية والمبادئ التوجيهية التي يتوجّب على الشركات الالتزام بها.

هل على المنطقة تنويع مصادر تزودها بالتقنية بشكل أكبر؟

داميلولا

لا يُمكن لأي بلد أن يُصبح قوّةً يُحسَب لها حساب في مجال الذكاء الاصطناعي إن لم يُنوّع سلسة إمداده، حرصاً على عدم انقطاع العمل في حال حدوث أي اضطرابات. الاستثمار في سلاسل الإمداد على الصعيدَين المحلي والعالمي سيُحدّ من الاتّكالية على مزوّد واحد، وقد يشمل البحث في إنشاء شراكات مع دول أخرى قد تكون أنظمتها أكثر تساهلاً وانفتاحاً.

خافيير

كما أن بناء سلسلة إمداد إقليمية قويّة من شأنه أن يخفّف من خطر فرض القيود على الصادرات من جانِب دولة أخرى.

بصورة عامّة، مع أنّ التحوّل نحو دول أخرى قد يؤمّن بعض الحلحلة السريعة، غير أن تخفيف المخاطر بصورة مستدامة وعلى المدى الطويل لا يكون إلّا باعتماد استراتيجية أوسع وأكثر تنوعاً، تُركّز على بناء القدرات المحلية، والتعاون بين دول المنطقة، والتواصل الدبلوماسي.

مواضيع مشابهة

حاولت الإمارات العربية المتحدة سابقاً بناء معمل لتصنيع الرقائق الإلكترونية في أبوظبي، لكن المشروع لم يُبصر النور بعد لأسباب لوجستيّة. هل من المُمكن تحقيق هكذا مشروع، ربّما في السعودية هذه المرّة؟

خافيير

تأخّر مشروع بناء معمل لتصنيع الرقائق الإلكترونية في الإمارات العربية المتحدة هو جرّاء الظروف التي كانت سائدة في سوق الرقائق حينها، والتي أثّرت على أهمّ الجهات العالمية التي اضطرت إلى وقف العمل على منشآتها المرتقبة، الأمر الذي أخّر إنجاز المعمل في أبوظبي. غير أنّ قطاع تصنيع أشباه الموصلات تطوّر بصورة ملحوظة مع مرور السنوات، وثمّة مُعطيات تُشير إلى ارتفاع فرص نجاح هكذا مبادرات في المنطقة.

تعمل المملكة على تعزيز مكانتها كدولة رائدة على صعيد البنى التحتية التكنولوجية. ونظراً إلى صعوبة إيجاد مساحات توفّر ما يلزم من أراضٍ وطاقة خضراء لبناء بنى تحتية للذكاء الاصطناعي، تملك المملكة المؤهلات التي تُخوّلها بناء هكذا مصنع.

هذا وقد أطلقت المملكة في وقت سابق هذا العام المركز الوطني لأشباه الموصلات، الذي يهدف إلى استقطاب استثمارات بقيمة مليار ريال سعودي (266,6 مليون دولار) لتصميم وتصنيع الرقائق الإلكترونية. وتُشير هذه المبادرة إلى أنّ المنطقة مجهّزة بشكل أفضل اليوم لدعم إنشاء معمل تصنيع، ما يجعل إمكانيّة إنجاز هكذا مشروع قريبة جداً من الواقع في السنوات القادمة.

 

ما مدى أهميّة تطوير نماذج إقليمية، أو حتّى محليّة، للذكاء الاصطناعي؟ لقد لاقى برنامج «جيس» الذي أطلقته الإمارات مؤخّراً أصداءً إيجابية. هل يجب على المملكة أن تُطوّر نموذجاً خاصاً بها؟

خافيير

لا بدّ من أخذ التلاؤم الثقافي ومراعاة الخصوصيّات المحلية في عين الاعتبار عند تطوير نماذج إقليمية أو محلية للذكاء الاصطناعي، ممّا يُتيح القدرة على تقديم نماذج متوافقة مع الفوارق الثقافية واللغوية والاجتماعية بين بلد وأخر. على سبيل المثال، يستطيع برنامج «جيس» الإماراتي استيعاب خصوصيّات اللغة العربية والفوارق بين لهجاتها المحلية بكفاءة أكبر مقارنةً بالنماذج العامة، كما بإمكانه الإجابة على الاستفسارات باللغتَين الإنجليزية والعربية.

داميلولا

يُمكن أيضاً تفصيل نماذج الذكاء الاصطناعي بحسب تحديّات إقليمية محدّدة، تشمل مثلاً الاحتياجات على صعيد الرعاية الصحية والتعليم والبنى التحتية، ممّا يؤمّن مقاربة مُوجّهة أكثر من شأنها تقديم حلول أكثر كفاءة.

كما تُشكّل سيادة البيانات وأمنها عاملاً آخر مهمّاً، ولا سيّما بالنسبة إلى الحكومات المحلية، بحيث يُمكن تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي المحلية واستخدامها ضمن نطاق منطقة واحدة أو حتّى بلد واحد، حرصاً على عدم نقل البيانات الحسّاسة خارج الحدود، الأمر الذي يُساهم في ضمان الامتثال إلى أنظمة حماية البيانات المحلية وتعزيز أمن البيانات.

ومن شأن تطوير القدرات المحلية المتعلّقة بالذكاء الاصطناعي أن يُحفّز النمو الاقتصادي، وذلك عبر خلق فرص العمل، وتشجيع الابتكار، واستقطاب الاستثمارات، الأمر الذي يُساهم في توفير كوادر بشرية كفوءة في المنطقة.

 

في ظلّ فورة الذكاء الاصطناعي التوليدي في العامَين الأخيرَين، شاع العديد من المفاهيم الخاطئة بين الناس؛ أيّها كان الأبرز برأيك؟

داميلولا

برأيي، أكبر المفاهيم الخاطئة والمضلّلة بشأن الذكاء الاصطناعي التوليدي هي «وهم الإدراك». بصريح العبارة، لا تملك نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي قدرة فهم المعلومات التي تكتنزها. لكن العديد من المستخدمين ينسبون إلى هذه النماذج قدرات إدراكية بشرية نوعاً ما، الأمر الذي يؤثّر بشكل ملحوظ على طريقة تفاعلهم مع هذه التكنولوجيا واستخدامهم لها وثقتهم بها.

ومع أنّ الذكاء الاصطناعي التوليدي قادر على إنجاز مهام مُدهشة وإعطاء مُخرجات مُحنّكة، تشمل تلك ذات القيمة الفنيّة، من موسيقى وصور وأفلام قصيرة وصور متحرّكة، لا بدّ من أن نُدرك وَنَعي جيّداً أنّ نماذج الذكاء الاصطناعي تستند حصراً على أنماط مُستقاة من البيانات المستخدمة لتدريبها، من دون أي فهم أو قَصد بالمعنى الحقيقي للكلمتَين. بعبارات أخرى، عندما يتعلّق الأمر بالإبداع والابتكار الحقيقيّين، لا يُمكن للذكاء الاصطناعي أن يحلّ محل الإبداع البشري. من المهمّ جداً أن نُصحّح هذا المفهوم الخاطئ كي نستخدم الذكاء الاصطناعي التوليدي وتقنيّات الذكاء الاصطناعي عموماً بطريقة مسؤولة وآمنة وفعّالة.

خافيير

ومن النقاط المهمّة أيضاً أنّ الذكاء الاصطناعي لم يُساهم في خفض التكاليف كما روّج البعض. وعوضاً عن استبدال الكوادر البشرية، لمسنا الاستعانة بهذه التكنولوجيا لتُكمّل الجهود البشرية ولإدارة المهام الروتينية، الأمر الذي يوفّر الموارد لإنجاز مستوى أرفع من الأعمال. علاوةً على ذلك، فإنّ صيانة نماذج الذكاء الاصطناعي هذه يتطلّب استثمارات هائلة إن كان على صعيد البنى التحتية أو تطوير الكوادر البشرية أو الموارد عموماً.

شارك المحتوى |
close icon