السيارات الكهربائية قد لا تكون المستقبل والليثيوم هو “كعب آخيل”
- تريد العديد من الحكومات حظر السيارات التقليدية والتحول الكامل إلى السيارات الكهربائية.
- تشكل البطاريات أكثر من ثلث سعر معظم السيارات الكهربائية اليوم وهي المكون الأغلى دون منازع.
- يتوقع أن يتضاعف الطلب على بطاريات السيارات 40 مرة حتى عام 2030، لكن عدم مجارة العرض ستنفخ الأسعار.
بحلول عام 2030، تخطط كل من ألمانيا واليونان وهولندا والسويد والدنمارك لحظر بيع السيارات التقليدية التي تعمل بالوقود الأحفوري. وبحلول عام 2035 ستنضم إليها الصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية وتايلند والعديد من البلدان الأخرى. حيث ترى مختلف هذه الحكومات أن المستقبل هو للسيارات الكهربائية، فيما يجب إبقاء السيارات التقليدية والتلوث الذي تنتجه حبيسة الماضي.
بالطبع تبدو هذه الخطط طموحة جداً، وبالأخص عند النظر إلى أن السيارات الكهربائية تمثل أقل من 10 بالمائة من مبيعات السيارات الجديدة اليوم. لكن وبينما تتسابق العديد من الحكومات على جعل السيارات الكهربائية هي الواقع الجديد، يبدو أن هناك تجاهلاً لواقع مقلق للغاية: تصنيع الليثيوم محدود جداً، ودون ليثيوم لا توجد سيارات كهربائية.
في حال لم تكن تعرف الليثيوم أو أنك لا تعرف ما الذي يجعله عائقاً كبيراً أمام نمو صناعة السيارات الكهربائية فليس عليك القلق. حيث سنتناول ذلك بالإضافة للحديث عن العوائق الكبرى أمام المستقبل الكهربائي لقطاع النقل.
لماذا ترتهن صناعة السيارات الكهربائية بمعدن الليثيوم؟
الليثيوم هو المعدن الأخف على الإطلاق، حيث أنه خفيف كفاية ليطفو على الماء (ولو أن هذه الخاصية لا تعد مفيدة حقاً لكونه يتفاعل مع الماء بشكل عنيف جداً). لكن الناحية الأهم للمعدن هو كونه العنصر الفعال في بطاريات الليثيوم-أيون المعروفة بوزنها الخفيف وقدرتها الكبرى على تخزين الطاقة.
بدأ استخدام بطاريات الليثيوم-أيون منذ التسعينيات في بعض الهواتف المحمولة، ومع مرور الوقت وانخفاض سعرها، انتشرت في كل مكان. حيث أن بطاريات الليثيوم موجودة اليوم في الهواتف والحواسيب المحمولة والكاميرات الرقمية وحتى السماعات اللاسلكية وأنظمة الطاقة الاحتياطية في المنازل، وبالطبع فهي البطاريات المستخدمة للسيارات الكهربائية.
لا تزال البطاريات المكون الأغلى دون منازع للسيارات الكهربائية الحالية، فمن الشائع أن تمثل البطارية ثلث سعر السيارة وهي جديدة، وفي بعض الحالات تتجاوز قيمتها نصف السعر الإجمالي حتى. وبالنظر إلى اعتماد بطاريات السيارات على الليثيوم والكوبالت والنيكل وعدة معادن نادرة أخرى، يعتمد قطاع النقل الكهربائي ككل على توافر هذه المواد واستقرار إنتاجها واستمرار نموه.
“الفيل في الغرفة”
عادة ما يشير تعبير“the elephant in the room” بالإنجليزية إلى المشاكل الكبيرة والواضحة والتي يراها الجميع لكنهم يتجاهلونها. ولعل مشكلة الليثيوم المستقبلية هي تجسيد مثالي لهذا التعبير، حيث أن مقدار الليثيوم الذي ينتجه العالم اليوم محدود للغاية، ويبدو أن محدوديته ستصعب مهمة جعل السيارات الكهربائية تنافسية أصلاً.
عبر السنوات الماضية تمكنت السيارات الكهربائية من الانتشار على نطاق واسع بفضل تقديمها لمقاربة اقتصادية فعالة. حيث أن أسعارها كانت تنخفض بسرعة مدفوعة بالانخفاض المستمر لأسعار البطاريات. حيث انخفضت تكلفة الكيلو واط الساعي من بطاريات الليثيوم من 1200 دولار عام 2010 إلى حوالي 132 دولاراً في العام الماضي. وتشير التقديرات إلى أن القيم أدنى من 100 دولار للكيلو واط الساعي من البطاريات هي نقطة التحول التي تجعل السيارات الكهربائية أرخض من نظيرتها التقليدية.
نتيجة التوسع الهائل لصناعة البطاريات وبناء مصانع عملاقة لها، انخفضت الأسعار تدريجياً. لكن يبدو أن هذا الانخفاض على وشك الانعكاس الآن مع الصعود الهائل لأسعار المعادن والمواد الأولية في الفترة الأخيرة.
شهدت أسعار الليثيوم حالة صعود غير مسبوق مؤخراً، حيث قفز سعر المعدن الخفيف من حوالي 90 ألف يوان صيني للطن قبل عام واحد إلى أكثر من 495 ألف يوان صيني للطن. ويمثل هذا التغيير ارتفاعاً بأكثر من 500 بالمائة لسعر الليثيوم، ليضاف إلى النيكل الذي تضاعف سعره مرتين والكوبالت الذي ارتفع سعره بأكثر من 60 بالمائة خلال نفس المدة.
حلم إلغاء السيارات التقليدية متأخر أو ربما ملغى
تقدر الوكالة العالمية للطاقة أن نمو مجال المركبات الكهربائية قد يضاعف الطلب على الليثيوم بحوالي 40 مرة بحلول عام 2030. لكن هناك مشكلة كبيرة في ذلك: لا نستطيع تغطية هذا الكم الهائل من الطلب.
هناك أكثر من 14 مليون طن من احتياطيات الليثيوم المعروفة في المناجم حول العالم، وفي حال استمر الإنتاج كما هو اليوم ستكفينا هذه الاحتياطيات لأكثر من قرن من الزمن. لكن لا تكمن المشكلة بكمية الليثيوم المتاح للاستخراج، بل بسرعة استخراجنا له.
عادة ما تعمل مناجم الليثيوم المعروفة اليوم بقدراتها التشغيلية الكاملة وعلى مدى 24 ساعة يومياً. بالنتيجة لا يوجد خيار حقيقي لزيادة الإنتاج سوى بناء مناجم ليثيوم جديدة. وهنا تظهر المشكلة بشكل آخر: يحتاج بناء منجم الليثيوم بشكلها المعتاد لأكثر من 7 سنوات، مما يعني أن نمو سوق السيارات يجب أن ينتظر ويسير بخطى موازية لنمو إنتاج الليثيوم.
على الأقل، هناك بصيص أمل
بينما تتجاهل العديد من الحكومات المشكلة عندما ترسم خططها الطموحة للتحول نحو النقل الكهربائي، تدرك الشركات حجم مشكلة إنتاج الليثيوم. بالنتيجة هناك مساعٍ عالمية اليوم لإعادة رحلة الألمنيوم من أحد أغلى المعادن إلى معدن رخيص وواسع الاستخدام، لكن مع الليثيوم هذه المرة. حيث أن المشكلة واحدة في الحالتين: الاحتياطيات موجودة لكن استخراجها صعب، ومن اللازم ابتكار طريقة جديدة.
لحسن الحظ هناك العديد من المشاريع الممولة اليوم بهدف تحسين إنتاج الليثيوم وتسريعه وربما تقليل الأثر البيئي لاستخراجه حتى. حيث تضخ شركات مثل Rio Tinto وGeneral Electric وعدة جهات حكومية ملايين الدولارات على تقنيات جديدة لاستخراج الليثيوم مثل DLE أو الاستخراج المباشر لليثيوم، لكن تعاني هذه التقنية من إهدارها لكميات كبيرة من الماء (10 أطنان ماء عذب لكل طن ليثيوم يتم إنتاجه) بالإضافة لكونها لم تثبت نفسها على مستوى تجاري بعد ولا تزال الأبحاث حولها مركزة على عمليات صغيرة للغاية.
بالمحصلة يبدو أن هناك الكثير من الغيوم التي تعكر صفاء مستقبل السيارات الكهربائية اليوم. لكن وفي حال نجح تضمين طرق الاستخراج الجديدة وزيادة إنتاج الليثيوم بالترافق مع تخفيض سعره فقد نقترب حقاً من الأهداف الموعودة للتنحية القريبة للسيارات التقليدية في العديد من البلدان.