الرابحون والخاسرون من الحكم على Google بكونها شركة احتكارية

في سابقة أثارت الكثير من الفوضى في أوساط المستثمرين وقادة الشركات التقنية على حد سواء، قضت محكمة أمريكية قبل أسبوعين بأن سلوك شركة Alphabet (الشركة الأم لـ Google) في كل من مجالي البحث والإعلانات هو سلوك احتكاري. ويأتي هذا الحكم كسابقة مهمة سرعان ما قارنها المحللون بالحكم المشابه الذي تعرضت له شركة Microsoft في مطلع الألفية، والذي كاد يودي بوحدة الشركة ويجزئها إلى أقسام، بالإضافة لكونه أرغمها على التخلي عن هيمنتها الكبرى على سوق متصفحات الإنترنت.

بالطبع، لا تعد المقارنة مع قضية Microsoft غريبة حقاً، إذ سرعان ما كشفت التقارير عن أن وزارة العدل الأمريكية تخطط لمقترح لتقسيم شركة Google وفصل أقسام محورية منها مثل متصفح الإنترنت Google Chrome، ونظام التشغيل Android، ومنصة مشاركة الفيديو الشهيرة YouTube. وبينما يعد هذا المصير هو الأسوأ لشركة Google، فهو بعيد كل البعد عن التأكيد، بل يرجح معظم المتابعين أن تتعرض الشركة لعقوبة أقل شدة مثل منعها من بعض السلوكيات، وبالأخص دفع المال مقابل إبقاء محرك البحث الخاص بها افتراضياً على المنصات الأخرى.

عند النظر إلى الحالة، وللوهلة الأولى، يظهر أن شركة Google هي الخاسر الوحيد من هذا الحكم وتداعياته المستقبلية، فيما سيستفيد منافسوها من الأمر. لكن ولدى البحث أكثر، سرعان ما يتبين أن الأمر ليس موحداً، وبينما سيستفيد بعض منافسي الشركة بشدة من الحكم ضدها، هناك في الواقع الكثير من الخاسرين الآخرين برفقة الشركة.

من هم أكبر الخاسرين نتيجة الحكم على Google بالاحتكار؟

قد يبدو الأمر غير منطقي للوهلة الأولى، لكن وبالإضافة للشركة نفسها، تتضمن قائمة الخاسرين الممكنين منافسين للشركة مثل Apple وMozilla، كما يمكن أن تتضمن عدداً كبيراً من حلفائها.

شركة Google نفسها

الرئيس التنفيذي لشركة جوجل Google سوندار بيتشاي

بطبيعة الحال ستكون الشركة هي الخاسر الأهم من أي قضية سلوك احتكاري ضدها. حيث ستتضمن تداعيات الحكم محاولة فتح المنافسة ضد الشركة في المجالات التي لطالما هيمنت عليها، وبالأخص البحث والإعلانات. وبالنظر إلى أن إعلانات البحث وحدها مسؤولة عن 57% من عائدات الشركة (وفق بيانات الربع الأول من العام)، بالإضافة لإسهام شبكة إعلانات الشركة بنسبة 9.2% أخرى، هناك مليارات الدولارات على المحك لـ Google.

منصة YouTube

الرئيس التنفيذي لخدمة يوتيوب YouTube نيال موهان

في عام 2006، استحوذت شركة Google على منصة بث الفيديو الناشئة YouTube، ودفعت الشركة حوالي 1.65 مليار دولار مقابل المنصة التي لم يتجاوز عمرها عامين حينها. ومنذ حينها نمت YouTube لتصبح المنصة الأكبر في مجال بث الفيديو دون منازع، مع ملايين صانعي المحتوى ومليارات المشاهدين. وفي العقد الأخير بالأخص، شهدت المنصة نمواً للإنتاجات عالية المستوى، وباتت العديد من البرامج التي تبث عبرها تنافس أو حتى تتفوق على تلك التلفزيونية. لكن وخلال كل ذلك الوقت، كان هناك سر يتم تداوله من حين لآخر: منصة YouTube ليست رابحة.

للأسف، لا تنشر شركة Google التكاليف التشغيلية بشكل مفصل لمختلف منصاتها، مما يعني أننا لا نستطيع الوصول إلى رقم واضح حول ربحيةYouTube، لكن وبالنظر إلى استخدامه الهائل للموارد، وبالأخص الخوادم واتصال الإنترنت، لا يزال معظم المحللين متفقين على كون المنصة تخسر المال في الواقع، والسبب الوحيد لاستمراريتها هو كونها جزءاً من شركة أكبر بكثير يمكنها امتصاص هذه الخسائر مقابل فوائد تجنيها مثل جمع البيانات ودراسة سلوك المستخدمين.

عموماً، وفي حال تفكيك Google (الذي لا يزال يبدو كخيار غير واقعي)، سيكون YouTube أحد أكثر المنصات تهديداً. حيث تتضمن الاحتمالات الممكنة إما توقف المنصة في أسوأ الحالات، أو حاجتها لتغيير نموذج عملها وفرض رسوم على المشاهدة، أو ربما زيادة الإعلانات بشكل أكبر حتى من المستويات القياسية الحالية، أو ربما فرض رسوم على صانعي المحتوى مقابل إتاحة الفيديوهات عبر المنصة. وكما هو متوقع، ستكون أي من هذه المقاربات ضارة للغاية بالمنصة التي تجذب عيون أكثر من 2.7 مليار مشاهد حول العالم.

شركة Apple

الرئيس التنفيذي لشركة ابل Apple تيم كوك

بالنظر إلى كون Apple هي المنافس الوحيد عملياً لشركة Google في سوق الهواتف الذكية، قد يبدو من الغريب أن تكون هذه الشركة متضررة من الحكم على الأخيرة. لكن ولدى النظر في تعاملات الشركتين، سرعان ما يظهر واقع مقلق: تتلقى شركة Apple حوالي 20 مليار دولار سنوياً مقابل إبقاء محرك بحث Google كمحرك البحث الافتراضي في مختلف منتجاتها، وبالأخص في متصفح Safari الشهير. وبالنظر إلى أن هذا المبلغ يدفع دون قيود إضافية، فهو ربح صافٍ لشركة Apple، وستضر خسارته بموازنة الشركة بشدة.

المثير للاهتمام هو أن منع Google من الدفع لقاء البقاء افتراضية في منتجات Apple لا يعني أنها ستفقد هذا المكان بالضرورة. حيث سبق وأن قال نائب الرئيس الأول للخدمات في شركة Apple، إدي كيو، عن إمكانية استخدام محرك البحث Bing كمحرك بحث افتراضي: «لا أعتقد أن أي سعر يمكن أن تعرضه شركة Microsoft سيكون كافياً. حتى لو عرضوا إعطائنا محرك البحث Bing مجاناً، حتى لو عرضوا إعطائنا الشركة بأكملها.»

متصفح الإنترنت Firefox ومنظمة Mozilla

الرئيس التنفيذي لمنظمة موزيلا Mozilla لورا تشيمبرز

بالنظر إلى أن الجميع ينظر إلى متصفح Firefox كالبديل الأساسي والمفضل لمتصفح Chrome الذي تطوره Google، فمن الممكن للحكم الأخير أن يسطر نهاية المتصفح الشهير ومنظمة Mozilla التي تطوره. حيث تعتمد Mozilla بشكل كبير على ما تدفعه Google لقاء بقائها كمحرك البحث الافتراضي، وتشير البيانات المالية للمنظمة إلى أن مدفوعات Google هي المساهم الأكبر في العائدات دون منازع، إذ كانت صفقة البحث مسؤولة عن 510 مليون دولار من أصل كامل عائدات المنظمة للعام المالي 2021-2022 والتي بلغت 583 مليون دولار. باختصار، في حال توقف الصفقة، ستفقد منظمة Mozilla حوالي 87% من إجمالي عائداتها، مما قد يؤدي لتوقفها عملياً.

الشركات المصنعة لهواتف Android

مواضيع مشابهة

في مطلع الألفية، كان أهم نظامين قابلين للترخيص للهواتف الذكية هما Windows Phone وSymbian، وفي الحالتين كان على الشركات المصنعة دفع مبلغ صغير من المال مقابل كل هاتف مباع يستخدم النظام المرخص. لكن وعندما دخلت شركة Google المجال مع نظام Android، فقد قلبت الأمور رأساً على عقب بتقديم هذا النظام بشكل مجاني للمصنعين، ووفق التقارير الأخيرة، فقد خطت الشركة خطوة أبعد عندما بدأت تدفع المال لمصنعي هذه الهواتف مقابل تضمين تطبيقاتها بشكل افتراضي في الهواتف.

وفق تقارير ظهرت نهاية العام الماضي، كانت Google قد دفعت أكثر من 8 مليارات دولار أمريكي لشركة سامسونج على مدار 4 أعوام، وذلك مقابل إبقاء خدمات مثل بحث Google ومتجر Google Play كالخيارات الافتراضية في هواتف الشركة. وبالمجمل، يبدو أن إنفاق الشركة على الشركات المصنعة لهواتف Android كان قد قارب 5 مليارات دولار في عام 2023، مع صفقات تتيح للشركات المصنعة للهواتف الحصول على حصة من عائدات Google من البحث والإعلانات ومبيعات التطبيقات المولدة عبر هذه الهواتف.

بالنظر إلى أن شركة سامسونج كانت قد ولدت 194 مليار دولار من العائدات عام 2023، فالأرجح أن تأثير توقف الدعم من Google سيكون محدوداً نسبياً. لكن وبالنسبة للكثير من الشركات الأصغر، سيكون التأثير كارثياً. حيث تمتلك معظم الشركات المصنعة للهواتف – وبالأخص تلك التي تركز على الهواتف الرخيصة – هوامش ربح صغيرة للغاية وشبه معدومة، وعادة ما تعتمد على العائدات المقدمة من Google للحفاظ على الربحية، وهو ما سيصبح صعباً للغاية في الفترة المقبلة.

من سيستفيد إذاً؟

بينما ترسم الفقرة السابقة صورة قاتمة للغاية لنتائج منع Google من الدفع للحفاظ على هيمنتها على سوق البحث، فهذا لا يعني أن الأمر سيان للجميع، بل أن هناك بعض المستفيدين من الأمر، وبالنسبة لبعضهم يمكن أن يكون الأمر نصراً شديد الأهمية.

شركة OpenAI

الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI سام ألتمان

قبل أسابيع فقط من حكم القاضي على شركة Google بالسلوك الاحتكاري غير القانوني، كانت شركة OpenAI، المطورة لروبوت المحادثة الشهير ChatGPT قد كشفت عن محرك البحث الخاص بها والذي سيحمل اسم SearchGPT ويعتمد على الذكاء الاصطناعي بشكل كبير جداً. وبينما كان الإعلان وحده تهديداً كافياً ليفقد سهم Google بضعة نقاط مئوية في تداولات البورصة، فقد تفاقم الأمر أكثر الآن مع احتمال خسارة Google لسلاحها الأهم: الدفع مقابل جعل خدماتها افتراضية، بل حتى وحيدة.

في الواقع كانت نفس الوثائق التي كشفت عن خطة مشاركة العائدات بين Google والشركات المصنعة للهواتف قد أظهرت مستوىً أعلى من مشاركة العائدات، لكن وللحصول على المستوى الأعلى، كان الشركات المصنعة ممنوعة من تثبيت تطبيقات منافسة مثل المتاجر والمتصفحات البديلة مثلاً. لذا ومع تداعيات الحكم الجديد، سيكون درب شركة OpenAI أسهل، وربما نشهد إتاحة محرك بحثها الجديد كخيار أو حتى كافتراضي في بعض الهواتف مستقبلاً.

شركة Microsoft

الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت Microsoft ساتيا ناديلا

بالنظر إلى امتلاكها لعدة منتجات وخدمات تنافس خدمات Google بشكل مباشر، ستكون شركة Microsoft أكبر المستفيدين من أي ضرر يصيب شركة Google. حيث سيحظى محرك البحث الخاص بها، Bing، بفرص أفضل لتضمينه كخيار افتراضي في المتصفحات، ويمكن أن ينعش ذلك جهود الشركة في المجال ويعيد محاولاتها للمنافسة في قطاع محركات البحث.

بالطبع وفي حال حصل ما لا يحتسب، وتم تفكيك Google بشكل حقيقي، سيكون لدى شركة Microsoft فرصة كبرى للاستفادة من ذلك كونها ستستمر كمنظومة بيئية واحدة ومتماسكة مع العديد من الخدمات المتنوعة والتي تتكامل معاً.

الشركات الناشئة

عبر العقود الماضية، عانى المجال التقني من تعقيدات كبرى للشركات الناشئة التي تطرح حلولاً جديدة يمكن أن تهدد هيمنة الشركات الأكبر في المجال. إذ تعاني الشركات الناشئة من عدم قدرتها على التنافس مع حجم وهيمنة الشركات الكبرى من جهة، كما أنها لا تمتلك أنظمة بيئية معقدة وممتدة حقاً، مما يبقيها خياراً أقل ملائمة للمستخدمين. وحتى في الحالات التي تنجح فيها هذه الشركات بالنمو كفاية لتهديد الهيمنة العالمية، لطالما لجأت عمالقة التقنية لسياسة شراء المنافسين أو إخراجهم من السوق، وهما سلوكان صعبا الاستكمال في ظل التهديدات القضائية المتزايدة للسلوك المعادي للمنافسة.

بالطبع هناك ناحية مقابلة هنا، حيث تعمل العديد من الشركات الناشئة على تنمية أعمالها ريثما تشتريها إحدى عمالقة التقنية دون الاكتراث باستدامة أعمالها على المدى البعيد أو تحقيق الربحية. وبالنسبة لهذه الشركات، فهي ستعاني من مناخ أسوأ من السابق مع تردد عمالقة التقنية تجاه صفقات الاستحواذ التي يمكن أن تجذب أنظار المشرعين في الفترة المقبلة.

ماذا عن المستخدمين؟

تستند تشريعات مكافحة الاحتكار، بمعظمها، على وضع مصلحة المستخدمين كأولوية أساسية. حيث إن الشركات الاحتكارية عادة ما تستغل مركزها في السوق لاستخراج أسعار أعلى من المستخدمين دون اكتراث للجودة نتيجة غياب المنافسة. ويمكن المجادلة هنا بكون المستخدمين سيكونون أفضل حالاً مع وجود العديد من المنافسين الآخرين سواء في البحث، أو الفيديو، أو الإعلانات، أو سواها.

على أي حال، ومن الناحية المقابلة، هناك رأي آخر هنا يستند إلى فكرة اقتصادات الوفرة، حيث أن العديد من الخدمات والميزات التي تقدمها شركات مثل Google ليست مربحة حقاً وسيؤدي تقديمها بشكل مستقل إلى تجربة مستخدمين أسوأ وربما تكاليف أعلى. فبالنسبة لشركة مستقلة مثلاً لن تكون فكرة تقديم خادم بريد إلكتروني مجاني مثل Gmail مع تخزين سحابي حتى 15 جيجا بايت مجاناً مجدية اقتصادياً. وفي حال تم تفكيك Google أو عمالقة التقنية الأخرى، قد نجد أنفسنا دون الوصول إلى هذه الخدمات، أو أنها ستصبح مكلفة أكثر من تكلفتها الحالية.

أخيراً وليس آخراً، هناك منظور إضافي للدفاع عن موقف Google والشركات الأخرى المقاربة بالحجم والتنوع، وهو التجربة السلسة التي يحصل عليها المستخدمون نتيجة البيئات المترابطة لشركات التقنية الكبرى. وبينما ترتفع الأصوات المنادية بالخصوصية اليوم بشكل مضطرد، لا يزال الكثير من الأشخاص يفضلون السلاسة التي تعمل بها التطبيقات المترابطة التي تتبادل بياناتهم وتخصص تجاربهم والإعلانات الموجهة إليهم وفقها.

شارك المحتوى |
close icon