الذكاء الاصطناعي يغير مشهد العمل – كيف يمكن لقادة الأعمال تبني الذكاء الاصطناعي في أعمالهم لضمان الفائدة للشركاء
مقال ضيف بقلم ثيونز كوتزي المدير العام للمعهد البريطاني للمعايير في منطقة الهند والشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا
تتساءل الشركات في كل مكان هذه الأيام عن شكل مستقبلها مع الذكاء الاصطناعي، ويمتد هذا التساؤل ليشمل الموظفين مع تباين الآراء من شخص لآخر. فقد أظهر بحث جديد أن حوالي تسعة من أصل كل عشرة من المهنيين (89%) في دولة الإمارات يشعرون بالارتباك من سرعة التغيرات الحاصلة في بيئة العمل، وأبدى 55% منهم القلق من عدم قدرتهم على مواكبة هذه التغيرات، معتبرين أن دمج الذكاء الاصطناعي في مهام العمل اليومية يمثل التحدي الأكبر بالنسبة لهم. كما أظهرت دراسة أجرتها شركة برايس ووترهاوس كوبرز الشرق الأوسط أن 63% من القوى العاملة في المنطقة يتوقعون تأثر وظائفهم بشكل أكبر من التغييرات التكنولوجية خلال السنوات الثلاث المقبلة، وهي نسبة أعلى بكثير من المتوسط العالمي البالغ 46%.
على الرغم من مشروعية هذه المخاوف، لكن لا يمكن إنكار قدرة الذكاء الاصطناعي على تحقيق قيمة كبيرة في مكان العمل وتحسين إنتاجية الأعمال وأدائها، سواء كان ذلك بمساعدة المؤسسات الصيدلانية في اكتشاف الأدوية، أو استخدام بيانات سلسلة التوريد بكفاءة أكبر، أو تمكين فرق البناء من تصميم المواقع ومراقبتها بشكل أفضل.
بالمثل، يمكن أن يوفر الذكاء الاصطناعي فوائد جمّة داخل أماكن العمل؛ ففي مجال إدارة الأداء، أظهر بحث أجراه المعهد البريطاني للمعايير أن ثلث الشركات (34%) على مستوى العالم قالت بأن الذكاء الاصطناعي يُستخدم بالفعل لدعم جوانب معينة من العمل، لكن بشكل بسيط حتى الآن. في حين يمكن استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي لتسهيل مهام عديدة تشكل تحدياً لمعظم الشركات، حيث يمكن توظيفها لتكوين صورة شاملة عن عمل الموظفين، وجمع وتحليل ملاحظات الزملاء على أساس متواصل. وقد تساهم هذه الملاحظات الواضحة والفورية في إحداث تغيير جذري في ثقافة عمل الشركة، حيث تساعد على تعديل الأداء وتحسينه بشكل فوري بدلاً من انتظار المراجعات السنوية. وبالنسبة للشركات الصغيرة التي لا تمتلك أقسام مختصة بالموارد البشرية، يمكن أن تساعدها هذه الأدوات في تعزيز مستويات المهنية بين كوادرها وإدارة أدائها بكفاءة أكبر.
يمكن أن يشكل الذكاء الاصطناعي أداة فعالة في تعزيز مرونة مكان العمل وإعادة هيكلة الأدوار الوظيفية بعيداً عن أوقات العمل التقليدي من 9 صباحاً إلى 5 عصراً، حيث يمكن استخدامه لتحليل آلية أداء المهام والبحث عن طرق أفضل لإنجازها، بل حتى يمكن توظيفه لتبسيط الأدوار، أو ربط وظائف الأعمال المختلفة مثل التسويق وخدمة العملاء والمبيعات بشكل أفضل، بحيث يتشاركون المعلومات بفعالية أكبر بدلاً من العودة إلى نقطة البداية في كل مرة.
وجد بحثنا أن 30% من قادة الأعمال الذين تستثمر شركاتهم في الذكاء الاصطناعي يتوقعون استخدام هذه التكنولوجيا لإدارة طلبات وإجراءات التوظيف، كما أن 67% يدركون أن شركاتهم تستخدم هذه الأدوات بالفعل في عمليات توظيف المرشحين.
في المحصلة، لن يحل الذكاء الاصطناعي وحده محل الوظائف البشرية، ولكنه قد يؤثر عليها بشكل كبير على المدى الطويل فيما إذا اقترن بالروبوتات أو غيرها من التقنيات الأخرى، حيث قد يقلل الاعتماد على العنصر البشري في أداء المهام المتكررة والتي تتطلب عمالة كثيفة، أو التي غالباً ما تكون محفوفة بالمخاطر في مواقع البناء، أو المصانع والمستودعات، أو حتى المطاعم. ففي دولة الإمارات تحديداً، يغير الذكاء الاصطناعي مشهد البناء مع اعتماد مديري المشاريع على التعلم الآلي والتحليلات التنبؤية لتعزيز عمليات التخطيط وتخصيص الموارد. ويمكن لاستخدام التكنولوجيا في هذه الأنشطة التي تتطلب عمالة كثيفة، خاصةً في ظل نقص المهارات ووجود تحديات ديموغرافية كبيرة، أن يحقق نمواً اقتصادياً كبيراً.
في هذا السياق، ستقوم الروبوتات التي تعمل بالذكاء الاصطناعي بسد الفجوات المتعلقة بالمهارات بدلاً من الاستيلاء على الوظائف. وفي مجالات أخرى، يمكن للتكنولوجيا تعزيز الأدوار البشرية التي تتطور لمواكبتها. ففي مجالات اقتصادات المعرفة والخدمات، بدأ الذكاء الاصطناعي بالتأثير في بعض المهن، بما في ذلك كُتّاب المحتوى، والمساعدين القانونيين، ووكلاء خدمة العملاء، حيث تتولى هذه التقنية المهام المتكررة أو العادية أو الروتينية. وفي مجال الرعاية الصحية، يتم تدريب الذكاء الاصطناعي لمساعدة الأطباء وغيرهم من المتخصصين على مراجعة البيانات الطبية مثل الأشعة السينية والفحوصات لتسريع عملية التشخيص. ومن غير المرجح أن يقوم الذكاء الاصطناعي في هذه القطاعات بالاستيلاء على الوظائف، وإنما سيقوم بتغيير المهام التي يتولاها البشر. والأهم من ذلك، تؤكد الأبحاث أن البشر ما زالوا يريدون ويحتاجون إلى التفاعلات البشرية.
مع أنه من المرجح أن تتغير جميع الأدوار تقريباً في كافة الدول والقطاعات مع تغلغل الذكاء الاصطناعي في أماكن العمل، لكن سيحافظ الإبداع البشري، والبراعة، والتفكير النقدي، والتعاون على دورهم الرئيسي، حيث سيظل وجود الإنسان ضرورياً مهما تطور العمل. ويجب أن يأخذ قادة الأعمال في دولة الإمارات هذا الجانب بشكل جدي أثناء التفكير في توظيف الذكاء الاصطناعي ضمن مؤسساتهم.
يعتبر التدريب من الجوانب المهمة الأخرى التي يجب على المؤسسات أخذها بعين الاعتبار عند تطبيق الذكاء الاصطناعي، حيث أشار 89% من قادة الأعمال على مستوى العالم إلى أهمية تدريب الشركات لموظفيها على استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي بشكل آمن وأخلاقي وفعّال، لكن 54% فقط يؤمنون حقاً بأهمية هذا الأمر، مما يزيد من أهمية دور الحوكمة المؤسسية في نجاح نشر الذكاء الاصطناعي في المؤسسات. ومما لا شك فيه أن تدريب العاملين على أداة سيستخدمونها أو يتفاعلون معها بطريقة ما يعدُّ أمراً مهماً. ويمكن لاعتماد برنامج تدريب شامل أن يضمن دمج الذكاء الاصطناعي في المؤسسات بطريقة إيجابية تعود بالنفع على الموظفين والعمل الذي يقومون به. ويهدف المعيار الدولي لإدارة الذكاء الاصطناعي (BS ISO/IEC 42001) – وهو الأول من نوعه – إلى مساعدة المؤسسات في استخدام الذكاء الاصطناعي بمسؤولية وتدريب موظفيها على التعامل معه. وحصلت كي بي إم جي أستراليا مؤخراً على شهادة المعهد البريطاني للمعايير لهذا المعيار المطبق عالمياً بهدف ضمان الإدارة الآمنة للذكاء الاصطناعي وبناء الثقة فيه، لتكون بذلك أول مؤسسة تنال هذه الشهادة.
في الخلاصة، يقدم الذكاء الاصطناعي فرصاً هائلة لإحداث تحول إيجابي في المؤسسات والمجتمع ككل. وتعد الشفافية والثقة أمران مهمان جداً لتحقيق ذلك وضمان ريادة دولة الإمارات عالمياً في مجال الذكاء الاصطناعي من خلال استراتيجيتها الوطنية للذكاء الاصطناعي 2031. ومن المثير للاهتمام أن 78% من قادة الأعمال العالميين يؤكدون على أهمية أن تبذل شركاتهم جهوداً أكبر لبناء ثقة موظفيها في الذكاء الاصطناعي. ومع وضع ذلك في الاعتبار، يمكن لقادة الأعمال في دولة الإمارات تفعيل مشاركة القوى العاملة في رحلة تبني الذكاء الاصطناعي من خلال دراسة طرق تطبيقه في مؤسساتهم، وضمان التواصل الفعال مع الموظفين وإشراكهم واستشارتهم في القرارات الرئيسية، لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي قوة تعود بالنفع على الجميع.