الذكاء الاصطناعي يرسم ملامح مستقبل التعليم: ما بين الوعود الكبيرة والعثرات

مقال ضيف بقلم شيفاني ستمبف، الرئيس التنفيذي لشؤون المنتجات والابتكار لدى PowerSchool


تشهد مختلف القطاعات اليوم تغيراً غير مسبوق في ظل الجهود الحثيثة لتوظيف التكنولوجيا وتعزيز التحول الرقمي، ولعل ذلك أمر بديهي عندما نأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات المتغيرة للمستهلكين. ويشكل قطاع التعليم خير مثال على هذا التوجه الجديد؛ حيث تتركز الجهود على إعادة رسم ملامح العملية التعليمية بشكل كامل والتعامل مع التحديات والفرص الجديدة بهدف إعداد الطلبة لمواكبة المتطلبات المستقبلية لسوق العمل.

في حال نظرنا إلى النظام التعليمي القائم على النماذج الموحدة، سنجد فيه العديد من الثغرات، وأبرزها عدم القدرة على التكيف مع التطورات المتسارعة، والنمو الهائل للمعلومات، والحاجة الماسة للمهارات اللازمة لمواكبة هذه التغيرات. ووسط هذا المشهد الديناميكي، يبرز الذكاء الاصطناعي بقدراته التحويلية، حيث يوفر للمرة الأولى خبراتٍ تعليمية مخصصة على نطاق واسع تلبي الاحتياجات الفريدة لكل طالب، مما يسرع تحقيق النتائج الأكاديمية على نحو غير مسبوق.

عند تطبيقها بشكلٍ فعال، توفر الأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي قدراتٍ هائلة لتحقيق نقلة نوعية في الأساليب التي يعتمدها المعلمون لتحديد مستويات كفاءة الطلبة في مجال محدد، ما يتيح لهم إمكانية تطوير مسارات تعلم فردية خاصة بكل طالب وتوفير بيئة تعليمية تحتضن الجميع بصرف النظر عن قدراتهم ومواهبهم.

يتطلب تحقيق هذا الهدف تخطيطاً مسبقاً ومدروساً مع التوظيف الصحيح لخوارزميات الذكاء الاصطناعي وتقنيات تعلم الآلة، وحينها فقط يمكن توظيف الذكاء الاصطناعي لتعزيز قدرة المعلمين على توقّع أداء الطلاب وتحديد نقاط القوة والضعف لديهم وتخصيص استراتيجيات فعالة للتعلم. كما نشهد مؤخراً جهوداً حثيثة من قبل المدارس لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي، وهذا ما يؤكده الاستطلاع الذي أجريناه مؤخراً للعديد من المدارس في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك دولة الإمارات؛ وتبيّن لنا النتائج إجماع المشاركين على مجموعة جوانب رئيسية لتوظيف الذكاء الاصطناعي في التعليم، وهي توفير تجارب تعليمية مخصصة، وتعزيز دور البيانات في اتخاذ القرارات، وإدراك الأهمية المتزايدة للذكاء الاصطناعي عموماً في قطاع التعليم. كما يوجد اهتمام متزايد بالمساعدات الافتراضية المدعومة بالذكاء الاصطناعي؛ حيث أشار أكثر من 66% من المشاركين في الاستطلاع إلى أن دور التكنولوجيا في تخصيص التجربة التعليمية لكل طالب، في حين أكد 75% على أهمية الذكاء الاصطناعي التوليدي.

عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي، لا بد أن نتطرق إلى المخاوف التي تراود الكثيرين حول خصوصية البيانات وحماية الملكية الفكرية والتحيز في البيانات والخوارزميات، واحتمالية استبدال المعلمين بتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي. ونجد بدورنا أن التعامل مع هذه المخاوف يتطلب اتباع منهجية صارمة لتطوير الذكاء الاصطناعي بطريقة مسؤولة، وتقديم خدمات مبنية في أساسها على معايير الأمان والشفافية، إلى جانب اعتماد منهجية تركز على الإنسان في جوهرها. كما يجب التركيز على توفير أدوات التكنولوجيا اللازمة لتمكين الطلاب والمعلمين ومساعدتهم على تحقيق إمكاناتهم، مع الحفاظ على أهمية العنصر البشري والدور المحوري للمعلم في توفير بيئة تعليمية داعمة.

كما يجب اختيار منظومات ومنصات الذكاء الاصطناعي بناء على ما تقدمه من خدمات، وهنا من الضروري أن نفرق بين المنصات التي تتيح دمج الذكاء الاصطناعي كإضافة على البيانات الموجودة بالمقارنة مع تلك التي تستوجب إدخال البيانات إلى منصات الذكاء الاصطناعي من جديد. هذا النوع من الخدمات المتكاملة تتيح الالتزام بالمعايير الصارمة للخصوصية والأمن، ما يرسي مفهوماً حديثاً وفعالاً لتطبيق الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم بصورة مسؤولة ومبتكرة.

مواضيع مشابهة

يمكننا القول إن التوظيف المثالي للذكاء الاصطناعي يتثمل في تقديم خدمات شاملة للطلاب والمدرسين. ما يتيح للطلاب فرصة توفير تجارب التعلم الشخصي بالاستفادة من كامل بياناتهم ضمن منظومة آمنة. وتزود نماذج الذكاء الاصطناعي المنظومة التدريسية بالأدوات اللازمة لفهم التجربة الشخصية لكل طالب بالاستناد إلى تحليلات كميات ضخمة وفورية من البيانات، وتغطي هذه البيانات جوانب مختلفة مثل تقدمهم في التعلم، وأساليب التعلم المفضلة لديهم، وما يواجهونه من تحديات.

يمكن الاعتماد على هذه التحليلات من أجل تقديم التوصيات الملائمة والمساعدة الذكية والرؤى المدوسة لدعم الطلبة في رحلتهم التعليمية، ما يساعد في تحقيق الهدف المتمثل بتخصيص تجربة كل طالب على حدة بما يتماشى مع وتيرة التعلم الخاصة به ومسار تطوره، وهذا ما يؤكد بدوره على أن الفهم الشامل لكل ما يتعلق بالمتعلم هو حجر الأساس في تخصيص تجربة تعليمية مناسبة له. ويمكن توظيف هذه المنظومات الآمنة للمضي قدماً في رحلة الارتقاء بواقع التعليم، وبالتالي تعزيز مشاركة الطلاب وتحفيزهم لتحقيق نتائج تعليمية أفضل. وتشكل هذه المنهجية متعددة الجوانب أمراً أساسياً للاستفادة من أقصى إمكانات الذكاء الاصطناعي في قطاع التعليم.

عند الحديث عن الخدمات القائمة على السحابة في التعليم، من الطبيعي أن يعود التفكير بالمعلم على أنه في مواجهة الذكاء الاصطناعي. ولنحسم الجدل، يمكننا القول بأن المنظومة التعليمية لا يمكن أن تنجح أو أن تستمر دون العنصر البشري، وهذا ما يدفعني للقول إن التكنولوجيا ستبقى رديفة للموارد البشرية ولن تحل محلها بأي شكل من الأشكال. فالمعلم هو الشخص الوحيد القادر على تقديم التعليمات لطلابه بشكل مباشر، أما التقنيات الحديثة مثل الذكاء الاصطناعي، فهي أدوات إضافية قيّمة يمكن الاستفادة منها في تطوير العملية التدريسية.

يؤكد ما سبق على أهمية المساعد الذكي في العملية التدريسية، حيث يساعد على تبسيط عملية تخصيص دروس الطلاب والتقييمات والواجبات المنزلية، وهو ما أصبح قابلاً للتطبيق بخطوات سهلة وبسيطة تختصر الوقت المطلوب لإتمام هذه المهام، كما يمكن الاستفادة من جميع هذه الميزات في مكان واحد دون الحاجة لنقل البيانات بين الحلول المستقلة المنفصلة. ويعني ما سبق أن المهام التي كانت تحتاج ساعات لإنجازها، أصبحت الآن ممكنة في غضون دقائق معدودة. ويتمثل الهدف من وراء هذه الجهود في تخفيف الأعباء عن المدرسين ودعم رحلة التحول التي يشهدها القطاع التعليمي، إلى جانب تقديم عملية تعليمية مخصصة تلبي الاحتياجات الفريدة لكل طالب.

بهذا أصبح بإمكان المعلمين الاعتماد على الذكاء الاصطناعي لتخصيص دروس الطلاب، وتقييماتهم، وواجباتهم المنزلية بكفاءة تتناسب مع مستويات تعلمهم في وقت أقل من السابق. وهنا أود الحديث عن دولة الإمارات العربية المتحدة على وجه الخصوص؛ حيث تطبق الدولة خطوات مهمة ومستمرة لإحداث نقلة نوعية في قطاع التعليم من خلال الدمج الفعال لتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي ضمن الأنظمة التعليمية؛ وتسير المدارس في دولة الإمارات على الطريق الصحيح لاعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة. ويبدو ذلك جلياً في النتائج التي توصلنا إليها، لاسيما وأن ثلث المدارس بدأت بالفعل بتجربة استخدام الذكاء الاصطناعي، في حين أن ربع المدارس تقوم بتطوير مبادئ توجيهية أو سياسات متعلقة بتقنيات الذكاء الاصطناعي لضمان استخدامها بصورة مسؤولة. ومن جهة أخرى، يمهد اعتماد تقنيات الذكاء الاصطناعي بشكل مسؤول في الفصول الدراسية الطريق لإرساء منظومة تعليمية متقدمة توفر جودة تعليم محسنة.

كذلك، يجب التركيز على تمكين المعلمين، والطلاب، والإداريين، وأولياء الأمور بالاعتماد على إمكانات الذكاء الاصطناعي، وذلك دعماً للجهود الرائدة لإعادة رسم ملامح قطاع التعليم. ومن ناحية أخرى، يجب أن تحرص الشركات المطورة للمساعدات الرقمية على الالتزام بالمعايير الأخلاقية المتعلقة بالخصوصية والأمان، ما يتيح توفير الدعم اللازم للطلاب في المجالات الأكاديمية، والاجتماعية، والنفسية.

ختاماً، أرى أن تقنيات الذكاء الاصطناعي ستبقى من أهم العوامل وراء تطور قطاع التعليم على مستوى العالم. وسنواصل مهمتنا في توفير أدوات وخدمات قائمة على استخدام الذكاء الاصطناعي بصورة مسؤولة، بهدف توفير الموارد اللازمة لضمان تفوق الطلاب أكاديمياً وتدريبهم على اكتساب المهارات والمعارف اللازمة وتحقيق النجاحات، فضلاً عن تعزيز طموحهم لتولي زمام المبادرة في المتقبل.

شارك المحتوى |
close icon