عامان من الفشل
قبل عامين و أكثر بقليل، مكثت أنا و مساعدي في مكتبنا بعد ساعات العمل، و عكفنا على كتابة بعض الإقتباسات المشهورة لأشخاص مشاهير تحدثوا عن الفشل. مثلاً ما قاله وينستون تشرشل : ” النجاح هو أن تتعثر من فشل إلى فشل دون خسارة حماسك”، و كما قالت أيضاً صوفيا لورين ” : الأخطاء تعتبر جزء من المستحقات التى يدفعها الشخص خلال الحياة”. و بعد أن غادر مساعدي، أمسكت بقلم عريض و بدأت بكتابة بعض من إخفاقاتي المتواضعة على الجدار.
ردة فعل من شاهد الجدار كانت بمزيج من الإثارة و التخوف من قبل الموظفين و أيضاً بعض الصحافة التي نشرت فكرة الجدار. و مع مرور الوقت أصبح الموظفون, و الشركاء و حتى بعض أفراد عوائل الموظفين يحضرون ليضعون بعض الإقتباسات المثيرة عن الفشل، فأصبح الجدار مليئاً بالفشل. و قد إستحسنت مجلة ” لوس أنجلس تايم” هذا الصنيع و تحدثت عنه، و أيضاً شركة ” أن بي أر” إستحسنت هذا العمل و لا زالت تتحدث عنه، و قد بدأت أيضاً بعمل جدار إلكتروني على شبكة الإنترنت ليُكتب فيه عن الفشل. و لكن شركة مثل “هوف بوست” لم تستحسن هذا الصنيع، و بعض أصدقائي فيها لم تعجبهم فكرة الجدار. و لكن بغض النظر، جدار الفشل قد حفظ مكانه و مكانته.
إذاً, ماذا تعلمنا خلال عامين؟
1- تغير الثقافة يبدأ صغيراً:
في بداية الأمر كان هناك فقط مجموعة واحدة تكتب على جدار الفشل، و لاحظت أنه أُستُغرق يومين ليقوم شخص أخر غريب عن المجموعة ليكتب عن الفشل. و بعد قرابة نصف درزينة من الأرواح الشجاعة التي إستطاعت أن تكتب عن الفشل, أصبح الكثير يأتون مسرعين ليكتبوا على جدار الفشل، و كان نموا أعداد الأشخاص الذين يكتبون على الجدار ملحوظاً جداً. و بسبب الجدار أصبح الموظفون يشعرون بالأمان عند إقترافهم الأخطاء. و الآن الجدار أصبح ممتلئاً تماماً بالكتابات، و أصبح المجال الوحيد للكتابة هو أن تختفي بعض الكتابات من على الجدار وحدها، و هذا ما سيجعلني أتحدث عن النقطة الثانية.
2- الإخفاقات القديمة تختفي:
ربما يجب علي أن أتحدث مع الشركة المصنعة للقلم العريض الذي نكتب به على جدار الفشل، لأنهم يذكرون أن الكتابة بهذا القلم تكون دائمة, و لكن بعد عدة شهور تبدأ الكتابة بالإختفاء تدريجياً من الجدار، و لكن بعد قرابة تسعة أشهر تقريباً تختفي الكتابة كلياً، و تجعل مساحة لكاتب أخر يود أن يكتب عن الفشل. الخاصية الفيزيائية التي يعمل بها جدار الفشل، تعكس كيف يعمل الفشل في عقولنا. و طالما نعترف بالفشل، سيبدأ بالتلاشي من عقولنا و ذاكرتنا و من ذاكرة و عقول من حولنا. و إذا لم نعترف بالفشل سيتفاقم علينا. و الإعتراف بالفشل هو الطريقة الوحيدة للخلاص منه.
3- الإخفاق أو الفشل، حقيقةً ليس بالأمر الجلل:
في بداية الأسابيع، الأسابيع الأولى، الموظفين كان يبدأ يومهم من جدار الفشل، حيث يقفون ليقرأ كل شخص ما كتب و هو يشرب قهوته الصباحية. الآن فقط الموظفين الجدد و الزوار يتسمرون عند جدار الفشل للقراءة. و أما بالنسبة لنا، لسنا إلى جزء من هذا المشهد. الإخفاقات تحصل, نحن نكتبها, و من ثم تختفي تدريجياً. و الآن أذكر لكم بعض الكتابات الساخرة من على الجدار, هذا يكتب و يقول ” كنت اتوقع كلمة “فشل” تكتب هكذا “فلش”، و ربما ستذهلون من بعض الكتابات الجدية على الجدار مثل ” لقد إنتظرت شهوراً عدة ليخبرني أحد ماذا علي أن أفعل، عوضاً عن أخذ زمام المبادرة في العمل”. و لكن حقيقةً الأمر ليس بالأمر الجلل، فبعض الموظفين قد خسّروا الشركة بمبالغ تقدر بمئات الألوف، و لم يكونوا في ورطة. و بصفتي الرئيس التنفيذي للشركة،
أنا أعلم بأنه ليس إخفاقات جدار الفشل التي يجب أن أحرص عليها، حتى و إن كانت تكلفتها باهظة. فإذا كانت على جدار الفشل هذا يعني أن الكاتب قد إعترف بإخفاقه، و تعلم منه، و فرصة كبيرة أنه لن يكرر ما وقع فيه من خطأ.
فكرة الفشل مثل فيل كبير الحجم موجود في غرفة و لا شخص يود أن يذكر وجوده. جدار الفشل أعطانا الفرصة لنتحدث عن الفشل دون تشويه سمعة أي شخص. عندما يقوم شخص بعرض إقتراح فيه مخاطرة في أحد الإجتماعات، حتماً سنجد شيئاً قد تمت كتابته على جدار الفشل. و بالتالي، الإعتراف سيجعلنا نناقش الإقتراح المطروح و حساب المخاطرة التي فيه.
4- الإخفاق أو الفشل، حقيقةً يعتبر أمرأً جللاً:
الإعتراف و تقبل الفشل يعتبر جزءاً أساسياً في كيفية إدارة الأعمال. و في حالتنا هذه، من المفارقات العجيبة أنه ساعدنا لننمو و نبتكر سريعاً. و من دواعي سروري و فخري يمكنني القول أننا ثقافة تتقبل و تحتضن و تضحك ضحكاً خافتاً على الفشل.
و بما أن فريقي في العمل و أنا معهم قد كتبنا الكثير على جدار الفشل، يجب أن أقول أن جدار الفشل يعتبر أحد أفضل نجاحاتنا.
الكاتب : جيف ستيبل
ترجمة : م. معتصم كتوعه