حواسيب الذكاء الاصطناعي في كل مكان اليوم، فهل عليك تبنيها الآن أم أن التريث أكثر حكمة؟

منذ الانطلاقة القوية لروبوتات المحادثة مع نهاية عام 2022، بات الذكاء الاصطناعي هو الشغل الشاغل للعالم التقني والموضوع الأساسي الذي يفكر به قادة التقنية في مختلف المنظمات والشركات. وسرعان ما ظهرت العديد من الأدوات والتطبيقات التي تستخدم الذكاء الاصطناعي في غايات تتنوع من مهام بسيطة مثل تسجيل وتلخيص الاجتماعات، إلى استخدامات أكثر تقدماً مثل توليد الصور وتخصيص أعباء العمل ورسم الخطط والاستراتيجيات. وبالتزامن مع هذا النمو للأدوات القائمة على الذكاء الاصطناعي، بات هناك مصطلح جديد يتكرر في الأرجاء: حواسيب الذكاء الاصطناعي.

في فترة وباء كوفيد-19، كانت معظم الشركات والمنظمات قد قامت بتحديث أنظمتها الحاسوبية بأجهزة جديدة للتماشي مع مستجدات المرحلة التي ركزت على العمل الهجين والعمل عن بعد بالدرجة الأولى. لكن وفي الوقت الحالي، باتت الأجهزة المحدثة في فترة الوباء قريبة من نهاية دورتها التشغيلية (التي عادت ما تمتد من 3 إلى 4 سنوات)، وباتت الشركات مهتمة بالترقية إلى أنظمة أحدث وبالأخص في ظل تزايد أهمية الذكاء الاصطناعي من جهة، ونهاية حقبة نظام Windows 10 مع انتهاء دعمه في وقت لاحق من هذا العام. وبالنظر إلى العدد الكبير من المنظمات القريبة من تحديث عتادها اليوم، فمن المهم الإجابة على الأسئلة المحورية حيال حواسيب الذكاء الاصطناعي ومدى أهميتها.

ما المميز في حواسيب الذكاء الاصطناعي أصلاً؟

من حيث المبدأ، لا توجد معايير محددة ومتفق عليها عبر الصناعة تميز حواسيب الذكاء الاصطناعي عن نظيرتها التقليدية، لكن وبشكل عام، تتميز حواسيب الذكاء الاصطناعي بامتلاكها لشرائح متقدمة لا تكتفي بوحدات المعالجة المركزية ووحدات معالجات الرسوميات فحسب، بل تتضمن أيضاً وحدات معالجة عصبية (NPU) معدة خصيصاً لتقديم أفضل مستويات الأداء في تطبيقات الذكاء الاصطناعي وتعلم الآلة. فعلى سبيل المثال، تتضمن شرائح AMD Ryzen AI الجديدة ثلاث مكونات أساسية: وحدة معالجة مركزية من نوع AMD Ryzen، ووحدة معالجة رسوميات من نوع AMD Radeon، ووحدة معالجة عصبية مخصصة مدعومة بمعمارية AMD XDNA لتقدم أفضل أداء ممكن لاستخدامات الذكاء الاصطناعي.

بالطبع، يمكن تشغيل أعباء عمل الذكاء الاصطناعي بالاعتماد على وحدات المعالجة المركزية ووحدات معالجة الرسوميات التقليدية، لكن استخدام معمارية مخصصة مع وحدة معالجة عصبية يسمح بالحصول على أداء أفضل وكفاءة أعلى لهذه الغايات. وبينما تعد وحدات المعالجة العصبية حديثة العهد نسبياً في الحواسيب اليوم، إلا أنه قد بدأ استخدامها في شرائح الهواتف الذكية قبل أعوام، وبالأخص لغايات معالجة الصور وغيرها من الاستخدامات التي تحتاج قدرات ذكاء اصطناعي عالية.

تكمن الغاية من وجود قدرات متقدمة للذكاء الاصطناعي على الحواسيب في الاستخدامات الجديدة المتاحة عبرها. حيث تتيح حواسيب الذكاء الاصطناعي تشغيل أدوات متقدمة (مثل حزمة أدوات Copilot+ من Microsoft) بشكل محلي أو شبه محلي، مما يضمن أداءً أفضل، واستقلالية عن الشبكة، وبالطبع مستوىً أفضل من الخصوصية بفضل القدرة على تشغيل نماذج محلية لا تتطلب مشاركة بيانات المستخدم مع طرف ثالث أو مرورها عبر الشبكة. وتعد هذه النواحي مهمة خاصة للشركات التي تعاني من استهداف أكبر لبياناتها من قبل المخترقين، بالإضافة لاهتمامها الأكبر بملكيتها الفكرية وأسرارها التجارية وعدم تسربها بالخطأ.

لماذا تحظى حواسيب الذكاء الاصطناعي بشعبية متزايدة؟ 

بطبيعة الحال، وبالنظر إلى أنها التقنية الجديدة والمثيرة اليوم، تشهد حواسيب الذكاء الاصطناعي إقبالاً كبيراً من المستخدمين أفراد ومؤسسات على حد سواء. لكن الأمر هنا لا يقتصر على الحماس نحو ما هو جديد فحسب، بل يتضمن العديد من العوامل الحقيقية التي تجعل حواسيب الذكاء الاصطناعي مفضلة عند المستخدمين كونها تقدم فائدة حقيقية وملموسة في تجربتهم. وتتضمن بعض أهم هذه النواحي أموراً مثل:

تحسين الإنتاجية

تستفيد هذه الحواسيب من أدوات مثل Copilot+ في تحسين تجربة المستخدمين عبر مقترحات متعددة في التطبيقات المكتبية، وعبر أتمتة عمليات مملة ومرهقة مثل تلخيص الاجتماعات وتوليد قوالب البريد الإلكتروني واستخلاص المعلومات. ومع صعود تقنية «وكلاء الذكاء الاصطناعي» فالباب مفتوح أمام أتمتة العديد من المهام التي تقتل إنتاجية الموظفين. 

دعم الإبداع

بالاعتماد على أدوات الذكاء الاصطناعي الإبداعية، مثل تلك المتاحة في حزمة Adobe أو في تطبيقات مثل DaVinci Resolve، يمكن للمبدعين تحسين نتائج عملهم واختصار العديد من الخطوات المرهقة. كما يمكن للنماذج التوليدية أن تسرع عملية تحويل الأفكار إلى نماذج أولية وأن تساعد في تجاوز مشاكل «الشلل الإبداعي». 

تحسين الأمان

تعتمد العديد من أنظمة الحماية الحديثة على قدرات الذكاء الاصطناعي، وبالأخص المحلية منها، لتحسين تجربة رصد نشاط البرمجيات الخبيثة وعزلها والتخلص منها بفعالية أعلى. وكان أحد الأمثلة البارزة في هذا الخصوص هو كون معالجات AMD Ryzen AI تتيح للمستخدمين تشغيل خوارزميات اكتشاف الشذوذات الأمنية عبر النوى العصبونية المخصصة ضمنها، وهو ما يسمح بأمان أعلى وأكثر قابلية للتخصيص. 

فوائد الخصوصية والسرعة

تتيح حواسيب الذكاء الاصطناعي قدرات الذكاء الاصطناعي دون الحاجة لخوادم خارجية، مما يعني إمكانية تشغيل نماذج محلية تامة الخصوصية من جهة، وتسريع العديد من العمليات بمعالجتها محلياً بدلاً من مشاركة كم كبير من الملفات مع خوادم بعيدة وما يترتب على ذلك من أوقات انتظار. 

تحسين أداء الطاقة

فيما أن وحدات المعالجة العصبية هي ابتكار جديد، فهي أفضل كفاءة في معالجة العديد من أعباء العمل التي كانت تستخدم وحدات المعالجة المركزية أو معالجات الرسوميات في السابق، ويعني هذا وفورات في الطاقة بفضل استخدام المعالجات العصبية للعديد من الاستخدامات. 

التحصين من المستقبل

حتى بتجاهل الاستخدامات الحالية والمهمة للذكاء الاصطناعي، يشهد العالم اليوم نمواً سريعاً جداً للمجال، وأهمية كبيرة للمعالجات العصبية، لذا يعد الحصول على حواسيب الذكاء الاصطناعي اليوم خطوة في اتجاه تحصين المؤسسات من المستقبل وتسهيل المرحلة التالية من تحولها الرقمي.

هل على المؤسسات الترقية لاستخدام حواسيب الذكاء الاصطناعي؟ 

الجواب المختصر للأمر هو نعم، في الغالبية العظمى من الحالات. 

في الواقع باتت الترقية إلى حواسيب الذكاء الاصطناعي مهمة حتى للأفراد اليوم، حيث وجد العديد من المستخدمين الأوائل تنامياً سريعاً في الفوائد المجنية التي تتراوح من المهام الروتينية وحتى النواحي الترفيهية التي تتضمن توليد الترجمة وتحسين الألعاب وسواها. لكن ولدى الانتقال للحديث عن الفوائد التي تحققها المؤسسات من حواسيب الذكاء الاصطناعي، فهي من مستوى أعلى بمراحل نظراً لبنية المنظمات وكونها تعتمد على التعاون والتنظيم، وما ينتج عن ذلك من مهام روتينية متعبة تقوم أدوات الذكاء الاصطناعي بأتمتتها منذ الآن وتعد بتوفير المزيد من الوقت والجهد وتحقيق مستويات أعلى من الإنتاجية مستقبلاً مع التطوير المستمر لتقنيات مثل وكلاء الذكاء الاصطناعي. 

بالنسبة للمؤسسات، لا يقتصر دور حواسيب الذكاء الاصطناعي على كونها مريحة وتسهل العمل فحسب، بل أنها استثمار استراتيجي يحول شكل العمل ويفتح المجال للعديد من الإمكانيات والقدرات الجديدة. 

حتى العام الماضي، بدت حواسيب الذكاء الاصطناعي ترقية مفضلة، لكنها غير ضرورية، للعديد من الشركات. حيث كان النظام البيئي لتطبيقات وعتاد الذكاء الاصطناعي محدوداً نسبياً، وغير ناضج كفاية. لكن وبالنظر لتسارع التقدم التقني، فقد تغير الأمر تماماً وبات من الضروري على الشركات الحريصة على تحصين نفسها مستقبلياً وتحسين عملياتها الاعتماد على تقنيات على غرار الذكاء الاصطناعي. وكما يشير تقرير نشرته شركة الاستشارات Forrester، فعام 2025 هو عام الذكاء الاصطناعي، وفيما أننا قد تجاوزنا الفترة التجريبية التي يمكن أن يكون التبني المبكر فيها إشكالياً، فقد حان الوقت لأن تستغل الشركات فرصة الريادة التي يمكن أن يحققها اعتماد حواسيب الذكاء الاصطناعي الآن بدلاً من انتظار دورة تحديث جديدة بعد سنوات.

شارك المحتوى |
close icon