لماذا تتسابق الشركات على امتلاك متصفح أكثر شعبية وانتشاراً؟
قبل بضعة أشهر صدر الشكل الجديد لمتصفح Edge من Microsoft مع بنية جديدة مصممة لجذب المستخدمين إليه وجعله أنسب لاحتياجاتهم. حيث أدركت شركة Microsoft أن متصفح Edge التقليدي الخاص بها لم يكن مرغوباً حقاً وأن حصته السوقية كانت مستمرة بالهبوط. لكن السؤال الأساسي هو: لماذا تكلفت شركة Microsoft العناء لتطوير متصفح جديد يحظى بشعبية للمستخدمين؟ وبالأخص مع وجود متصفحات ذات شعبية كبيرة أصلاً وعلى رأسها Google Chrome؟
قد يبدو من الغريب أن تقوم شركات كبرى بصرف عشرات أو حتى مئات ملايين الدولارات على تطوير متصفحات الإنترنت، وبالأخص كون المتصفحات مجانية تماماً للمستخدمين، وبالطبع لا تقوم الشركات الكبرى بخطوات كهذه لخدمة المستخدم فقط، بل أن هناك حافزاً مالياً خلف الأمر دائماً، وهنا سنحاول فهم هذا الأمر بشرح كيف تربح متصفحات الإنترنت المال أصلاً؟
من أين يربح متصفح الإنترنت المال؟
مع أنها مجانية تماماً للمستخدم، فمتصفحات الإنترنت هي مجال عمل رابح وبشكل كبير حتى في الواقع. وبالنظر إلى مصادر الربح يصبح من المنطقي سعي الشركات إلى السيطرة على مجالها قدر الإمكان. وهنا سنتناول أهم مصادر الأرباح للمتصفحات:
الحصة من الإعلانات
لاستكشاف الأمر من الممكن النظر إلى التقارير المالية التي نشرتها شركة Mozilla لعام 2018، حيث جنى متصفحها الشهير Firefox حوالي 450 مليون دولار أمريكي ذلك العام، حيث أتى حوالي 90% من هذه الأرباح من مصدر وحيد: حصة المتصفح من عائدات الإعلانات التي تظهر في نتائج البحث التي تتم عبر شريط العنوان الخاص به.
حيث أن المعلنين يدفعون المال لجعل صفحاتهم أو مواقعهم تظهر في الصفحة الأولى من نتائج البحث لكلمات مفتاحية معينة، ومع أن محرك البحث هو من يحصل على هذا المال في الواقع، عادة ما تقتطع حصة غير معلن عنها من الأرباح للمتصفح الذي أدى إلى عملية البحث أصلاً، وبالنتيجة من الممكن للمتصفحات الكبرى أن تجني الملايين من صفقاتها مع محركات البحث الكبرى لتضعها كمتصفح افتراضي.
بالطبع يبدو الأمر منطقياً هنا لكل من متصفح Mozilla Firefox وSafari وOpera وسواها، لكن كيف تربح متصفحات Google Chrome وMicrosoft Edge إذاً؟ فهذه المتصفحات تتبع لنفس الشركات التي تقدم محرك البحث الخاص بالمتصفح.
جواب السؤال السابق بسيط للغاية، فمع أن أياً من Chrome أو Edge لا يحققان أرباح مباشرة حقاً، فهما يحققان الربح بتخفيض التكاليف الناجمة عن التعاقد مع متصفحات مستقلة. حيث أن امتلاك المتصفح نفسه يعني أن عائدات الإعلانات لن يتم تقاسمها، وما كان ليدفع لمتصفح مستقل سيبقى ضمن الشركة نفسها.
اقرأ أيضاً: أبل قد تطلق محرك بحث لمنافسة جوجل
الاختصارات الافتراضية على الصفحة الرئيسية
عادة ما تأتي المتصفحات عند تثبيتها مع روابط افتراضية لعدة مواقع شهيرة تحتل الصفحة الأساسية الجديدة. لكن هذه الروابط ليست عشوائية ولا تعتمد على تفضيلات المستخدمين حقاً، بل أنها أماكن محجوزة للمواقع التي تدفع أكثر لأخذها باختصار، إي أنها مساحة إعلانية فعالة للغاية ومن الممكن أن تجلب عشرات ملايين الدولارات للمتصفح من الشركات المتنافسة لتكون في الواجهة وعلى بعد نقرة واحدة من المستخدم فقط.
بالإضافة للاختصارات الافتراضية، تتيح بعض المتصفحات “روابط مرعية” لأخبار حديثة في مجالات محددة تظهر عند فتح أي تبويب جديد، وبدورها لا تكون هذه الصفحات عشوائية، بل أنها مصدر دخل إضافي للمتصفحات أيضاً دون شك.
البيانات التي يتم جمعها عن المستخدمين
مع أن بعض المتصفحات التي تركز على الخصوصية تدعي أنها لا تخزن أو تستخدم أي بيانات خاصة بالمستخدمين، فالواقع هو أن معظمها يقوم بجمع البيانات على أي حال. حيث أن المتصفح واحد من أكثر البرامج فعالية في جمع مختلف أنواع البيانات عن المستخدم وتفضيلاته وصفاته وموقعه الجغرافي والمواضيع التي يتابعها وسواها. وهذه البيانات أساسية للشركات التي تحاول التسويق للمستخدمين.
بالنسبة للمتصفحات الأصغر، من الممكن أن يتم تجاهل جمع البيانات أصلاً، أو أن يتم بيعها إلى شركة منافسة. لكن بالنسبة لكل من Chrome وEdge تجمع هذه البيانات وتحلل وتستخدم لتحسين استهداف المستخدمين بالإعلانات الأنسب لهم في محرك البحث، ومع أن وضع قيمة مالية مباشرة على هذا الأمر هي مهمة صعبة، فالواقع هو أن هناك الكثير من المال الإضافي الذي يجمع بهذه الطريقة.
باختصار كلما كان هناك مستخدمون أكثر للمتصفح، كلما جمع بيانات أكثر وكان من الأسهل استخدام هذه البيانات في الإعلانات. لذا نلاحظ أن كلاً من Google وMicrosoft تسعيان للهيمنة على مجال المتصفحات، فكل منهما تمتلك شبكة إعلانات خاصة بها على محرك بحثها، وتريد المزيد من استخدام البحث وعائدات الإعلانات.
اقرأ أيضاً: من أين تجني الشركات التقنية الكبرى ملياراتها؟
ماذا عن المتصفحات الأقل شهرة؟
بالإضافة للمتصفحات الكبيرة المهيمنة على السوق مثل Chrome وEdge وSafari وسواها، هناك في الواقع عدد كبير من المتصفحات الأصغر التي تمتلك عدد مستخدمين أقل بمراحل، وبالتالي من الصعب عليها التفاوض للحصول على حصص من عائدات إعلانات البحث، وهنا يصبح الموضوع مقلقاً إلى حد بعيد، وبالأخص مع كون العديد من هذه المتصفحات تأتي من شركات مجهولة أو شركات تتخذ من بلدان معروفة بانتهاكاتها لخصوصية المستخدمين مركزاً لها.
لا أحد ينكر أن الشركات التقنية الكبرى وبالأخص الأمريكية منها تجمع كماً هائلاً من المعلومات عنا طوال الوقت، ومع أن هذا الأمر غير محبذ من قبل الكثير من المستخدمين، تبقى هذه الشركات مرغمة على التعامل مع بيانات المستخدمين بحذر كونها تعمل في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي حيث القوانين صارمة للغاية تجاه الأمر. لكن في بقاع أخرى من العالم وبالأخص الصين هناك واقع مختلف تماماً مع حرية أكبر للشركات من حيث التعامل مع بيانات المستخدمين، وحتى إجبار هذه الشركات على مشاركة المعلومات مع الحكومة الصينية عندما يطلب منها ذلك.
وبإضافة احتمال بيع البيانات لمجموعات الاختراق والاحتيال (التي تستخدم المعلومات لاستهداف الضحايا بشكل أكثر فعالية)، يصبح استخدام متصفح جديد وناشئ من شركة لا تمتلك سمعة جيدة بعد فكرة غير حكيمة لمعظم المستخدمين.
القرار هنا شخصي للغاية ويتبع لتفضيلات كل شخص ومصدر قلقه الأساسي، فمن يخشى مراقبة الشركات والإعلانات المخصصة قد لا يريد استخدام المتصفحات الكبرى، واعتماد متصفح أقل شهرة مثل Brave أو UC Browser أو سواها، لكن هنا يجب تذكر أن المعلومات قد تمر على أطراف أخرى حكومية، وفكرة المتصفح الذي لا يجمع أية بيانات عن مستخدميه تبدو مستبعدة باستثناء حالات خاصة مثل Tor.