المحكمة الجنائية الدولية ستبدأ بملاحقة قضايا الجرائم الإلكترونية
طوال السنين الماضية ظهرت دعوات كثيرة من بعض المدافعين والمناصرين للأمن السيبراني بشأن التوصل إلى اتفاقية شبيهة باتفاقية جنيف، على أنْ تختص بمجال الحرب السيبرانية. ودعوا كذلك إلى سنّ قوانين جديدة تفرض عقوبات وخيمة على الأفراد الذين يخترقون البنى التحتية الحيوية، مثل شبكات الطاقة والبنوك والمستشفيات. ويبدو أنّ هذه الدعوات في طريقها للتحقق بعدما أعلن المدعي العام الرئيسي للمحكمة الجنائية الدولية عن عزمه إنفاذ تلك العقوبات دون الحاجة إلى اتفاقية جنيف جديدة. وقال المدعي العام صراحة إنّ المحكمة الجنائية الدولي ستتولى قضايا جرائم القرصنة والاختراق التي تنتهك القوانين الدولية المعمول بها.
وكان كريم خان، المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، قد نشر مقالاً في دورية Foreign Policy Analytics، وقال فيه إنّ مكتبه سيتولى التحقيق في الجرائم الإلكترونية التي يحتمل أنها تنتهك نظام روما الأساسي، وهي المعاهدة التي تحدد صلاحيات المحكمة وسلطتها في محاكمة الأفعال التي تنتهك القانون، مثل جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية وغيرها.
وكتب خان في مقالته: “الحرب السيبرانية ليس شيئاً نظرياً، وإنما لها تأثيرات عميقة على حياة الناس. فمحاولة الإخلال بوظائف البنى التحتية الحيوية، مثل المرافق الطبية أو أنظمة التحكم بإنتاج الطاقة وغيرها، قد ينطوي على عواقب وخيمة على حياة كثيرين، لا سيما فئات المجتمع الأضعف. ومن هذا المنطلق يتولى مكتبي الآن مهمة جمع الأدلة على هذه الأفعال ومراجعتها”.
وفي تصريح حصل عليه موقع WIRED، أكدّ متحدث رسمي باسم مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية هذه الإجراءات وقال: “يرى المكتب أن التصرفات غير القانونية في الفضاء السيبراني قد ترقى، في ظروف معينة، إلى مستوى جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية أو الإبادة الجماعية. وبذلك يحتمل أن يتعرض مرتبكو تلك الأفعال للمقاضاة والمحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية، إن كانت طبيعة القضية شديدة الخطورة”.
وعلى العموم تأتي هذه الأخبار بالتزامن مع ادعاءات كثيرة بشأن حدوث هجمات سيبرانية على البنى التحتية الأوكرانية في خضم الحرب مع روسيا، وقد انتهزت الجمعيات الحقوقية ظروف الصراع للدعوة إلى التزام سياسة حازمة للتعامل مع الاختراقات السيبرانية. ففي شهر مارس من العام الماضي، أرسل مركز حقوق الإنسان في كلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا طلباً إلى مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية حتى ينظر في مسألة مقاضاة المخترقين الروس بسبب هجماتهم السيبرانية على بنى تحتية حيوية في أوكرانيا، مثل مرافق الكهرباء.
وصحيح أن تصريح خان بشأن عزم مكتب المدعي العام على النظر إلى بعض جرائم الاختراق والقرصنة على أنّها خرق محتمل للقانون الدولي ليس جديداً على الإطلاق، لكنه يبدو مفاجئاً بعض الشيء، على حدّ وصف بوبي تشيسني، مدير مركز شتراوس للأمن الدولي والقانون في جامعة تكساس. ويقول تشيسني: “لا أعتقد أنّ الأشخاص الذين يتعاملون بمسؤولية وجدية مع القانون الدولي قد يعترضون على وجود بعض الظروف التي تُسبب فيها الأدوات السيبرانية أذى متعمداً بالمدنيين، بما يمكن اعتباره هجوماً سيبرانياً وانتهاكاً لنظام روما الأساسي، الذي ينص على وجوب التفريق بين الأهداف المدنية والعسكرية”. ويقول تشيسني إنه كان يحبذ لو تطرق المقال إلى موضوع المعلومات المضللة باعتبارها مبعَثَ قلقٍ منفصل عن الهجمات السيبرانية.
في المقابل تقول ليندسي فريمان، من مركز حقوق الإنسان، إن التعهد بالنظر في جرائم الحرب السيبرانية واحتمال توجيه اتهامات إلى المجرمين هي لحظة تاريخية فارقة، لا سيما في ظل الموارد المحدودة المتاحة للمدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية وسلطاته التقديرية في اختيار القضايا التي تخضع للمحاكمة. وتقول فريمان: “إن الاهتمام بطريقة استخدام الإنترنت في الحروب، وتعامل خان مع هذه المسألة أنها ضمن اختصاصه، وأنها تستحق التحقيق ضمن سلطته التقديرية، هو أمر مهم بحد ذاته”.