الطرق المثلى لتحسين أداء الحوسبة عالية الأداء لمختلف أنواع المؤسسات والشركات

تعد الحوسبة عالية الأداء (HPC) العمود الفقري للبحث العلمي الحديث، والذكاء الاصطناعي، والنمذجة المالية، والمحاكاة واسعة النطاق. حيث باتت هذه التقنية جزءاً أساسياً من عمل مختلف الشركات، والمنظمات، والمراكز البحثية، إذ تقدم لهذه الكيانات خيارات أوسع للتعامل مع أعباء العمل الكبيرة التي يمكن أن تكون إشكالية للغاية في حال التعامل معها بطرق الحوسبة التقليدية. 

لكن ومع تزايد تعقيد أعباء العمل من جهة، وارتفاع حاجة الشركات والمنظمات للحوسبة عالية الأداء من الجهة الأخرى، تجد هذه المنظمات نفسها في موقف يتطلب منها البحث عن الكفاءة والتوفير قدر الإمكان. ومع أن الحوسبة عالية الأداء تقدم الكثير من الحلول للمشاكل التي تواجهها المنظمات، فمن المهم التعامل معها كما أي أصول أخرى تحت تحكم الشركات، وذلك بالعمل على تعظيم الأداء إلى الحد الأقصى، بالتزامن مع خفض التكاليف قدر المستطاع، وبالنتيجة تحسين الكفاءة الإجمالية وتحقيق أهداف الأعمال. 

في هذا المقال، سنركز على الطرق الأساسية التي يمكن لمختلف الشركات الكبرى الاعتماد عليها للحصول على أفضل ما يمكن تحقيقه في مجال الحوسبة عالية الأداء. حيث سنتطرق لأساسيات فهم أعباء العمل المفروض التعامل معها، وسنمر باختيار العتاد والبرمجيات الأفضل لتحقيق الغايات، ونختم مع الجزء الأساسي المتمثل بالمراقبة والتحسين المستمرين للعمليات.

قبل كل شيء، افهم احتياجات مؤسستك 

بينما يسهل التعامل مع المؤسسات الكبرى على أنها متشابهة، وبالأخص في حال الشركات العاملة ضمن نفس المجال، فالواقع مختلف للغاية. حيث تمتلك كل شركة الكثير من الخصوصية والأمور التي تميزها وتجعل عملياتها وآلية التعامل معها مختلفة عن سواها. حيث يمكن لعوامل مثل الموقع الجغرافي، أو مدى تنوع مجالات العمل، أو فلسفة مؤسس الشركة، أو بنية ملكية الشركة وآلية حوكمتها في جعل كل شركة حالة خاصة ذات احتياجات مختلفة وتتطلب التعامل معها بشكل مخصص دون محاولة استنساخ مقاربات شركات أخرى. 

مع تباين الشركات في طبيعتها وعملياتها، فهي كذلك متباينة في حاجاتها التي تتطلب الاعتماد على الحوسبة عالية الأداء. وبالنسبة لأقسام تكنولوجيا المعلومات، عادة ما تكون المهمة الأولى هي رسم صورة شاملة لأعباء العمل الحالية، وما نوع العوائق الموجودة أمامها، ومن إيجاد الحلول المناسبة التي تلبي الحاجات دون أن تسرف في استهلاك الموارد. وعادة ما تسير العملية كما التالي:

التعرف على أعباء العمل ورسم نموذج لها

عادة ما تتم هذه المهام بالاعتماد على أدوات متخصصة مثل أداة AMD μProf (MicroProf) التي تساعد خبراء تكنولوجيا المعلومات في تحليل التطبيقات وأعباء العمل عبر مختلف البيئات مثل Windows وLinux وFreeBSD وسواها.

تحديد نوع أعباء العمل ونوع العقبات والمحدوديات التي تواجهها حسب نوعها

  1. أعباء العمل المحدودة بوحدة المعالجة المركزية (مثل المحاكاة) 
  2. أعباء العمل المحدودة بذاكرة الوصول العشوائي (مثل مجموعات البيانات العملاقة)
  3. أعباء العمل المحدودة بالدخل والخرج (مثل طلبات قواعد البيانات) 
  4. أعباء العمل المحدودة بمعالجات الرسوميات (مثل التعلم العميق)

اختيار وسيط المعالجة المناسب

تبعاً لاحتياجات كل مؤسسة وطريقة عملها ونوع أعباء العمل التي تحتاجها، يمكن أن يكون أي من الخوادم المحلية أو خيارات السحابة الخاصة أو حتى السحابة العامة هو الخيار الأنسب والأفضل. حيث تمتلك كل من هذه الخيارات ميزاتها وعيوبها، حيث تفتقد الخوادم المحلية للمرونة، وتتضمن تكاليف أولية عالية، كما تحتاج لموظفين متخصصين، وفيما تقدم الخدمات السحابية مرونة أكبر، وبالأخص للشركات الموزعة جغرافياً أو سريعة النمو، فهي تتضمن قابلية أدنى للتخصيص، كما أن تكلفتها أعلى على المدى الطويل. وفي الآونة الأخيرة باتت العديد من الخدمات السحابية تتيح خيارات مخصصة للشركات التي تمتلك قدرات معالجة عالية الأداء بشكل محلي، بحيث يتم استخدام الخوادم المحلية للعمليات ضمن حدود معينة، فيما يتم إرسال الفائض لتتم معالجته عبر الخدمات السحابية في مقاربة هجينة تمنح المزيد من المرونة للشركات.

اختر العتاد المناسب لحاجات المؤسسة مع أخذ التقنيات بعين الاعتبار

بعد مرحلة رسم تصور دقيق لأعباء العمل الحالية والمتوقعة للمؤسسة، وتحديد مصادر المحدودية الممكنة، تنتقل المهمة التالية إلى اختيار العتاد المناسب وفقاً للحاجات المحددة. لكن وكما معظم الأمور في مجال تكنولوجيا المعلومات، فالأرقام المجردة ليست كافية، بل يحتاج الأمر لموازنة تتضمن مختلف العوامل عند اختيار العتاد، ويتضمن ذلك أموراً مثل:

وحدات المعالجة المركزية

يدخل في اختيارها عوامل تتضمن عدد النوى، والتردد، واستهلاك الطاقة، ومجموعة التعليمات المستخدمة وعوامل أخرى. وتشمل بعض أفضل الأمثلة في المجال معالجات AMD EPYC المصممة خصيصاً للتعامل مع أعباء العمل ومجموعات البيانات الهندسية والعلمية الهائلة مع قدرات عالية في مجال النمذجة والتحليل، وبالأخص مع ميزة AMD 3D V-Cache لتسريع المحاكاة وتطوير المنتجات. 

وحدات معالجة الرسوميات \ مسرعات الذكاء الاصطناعي

يدخل في الاختيار عوامل مثل قدرة المعالجة ومدى التخصيص للتعامل مع أعباء محددة، بالإضافة للحدود القصوى للدخل والخرج وعوامل أخرى. وهنا تبرز مسرعات AMD Alveo V80 المصممة لمختلف حاجات المعالجة عالية الأداء بما يشمل الاستخدامات العلمية مثل تسلسل الجينوم، ودراسة الحركة الجزيئية، والاستخدامات المخصصة لعلوم الفلك، كما تقدم الشركة مسرعات AMD Instinct المصممة خصيصاً لأعباء المعالجة عالية الأداء مع أخذ الذكاء الاصطناعي بعين الاعتبار، حيث أنها تعتمد معمارية AMD CDNA وتدعم التخصيص عبر برمجية AMD ROCm. 

ذاكرة الوصول العشوائي

هناك عاملان أساسيان فيما يتعلق بالذاكرة، وهما السعة الكلية لذاكرة الوصول العشوائي، وسرعة القراءة والكتابة. وبينما يكون الأفضل هو الحصول على أعلى المستويات من العاملين، فالواقع مختلف، وعلى متخصصي تكنولوجيا المعلومات دراسة أعباء العمل الخاصة بمنظماتهم لاختيار ذاكرة الوصول العشوائي الأنسب لاحتياجاتهم. 

التخزين

تماماً كما الذاكرة، يمكن أن تتباين حاجات المنظمات بشكل كبير وفق أعباء العمل الخاصة بكل منها، وبينما تكون وحدات تخزين SSD المتصلة عبر منافذ NVMe هي الأفضل من حيث سرعة الدخل والخرج، تحتاج مجموعات البيانات الهائلة أنظمة ملفات تدعم الدخل والخرج المتزامن مثل Lustre وGPFS وسواها. 

حلول الشبكات

في حال الاعتماد الجزئي أو الكلي على الخوادم المحلية للحوسبة عالية الأداء، عادة ما يكون هناك حاجة لاستخدام شبكات ذات نطاق ترددي واسع يسمح بسرعات أعلى وبالأخص في الحالات التي تتضمن حوسبة موزعة.

استخدم الحلول البرمجية لتحسين قدرات المعالجة

برمجية AMD ROCm المصممة لتحسين وتخصيص أداء بطاقات الرسوميات
برمجية AMD ROCm المصممة لتحسين وتخصيص أداء بطاقات الرسوميات

فيما يعد اختيار العتاد المناسب لأعباء التشغيل جزءاً مهماً من الرحلة، فهو ليس كافياً للحصول على أفضل مستويات المعالجة عالية الأداء، بل يحتاج الأمر للشق الثاني من المعادلة، وهو استخدام المكتبات البرمجية التي تساعد في تخصيص الأداء وتفتح المجال للمزيد من التحسينات. وتتضمن الخيارات الأفضل في هذا المجال أموراً مثل:

استخدام برمجيات تحسين الأداء

  1. الاستفادة من مكتبة AMD Optimizing CPU Libraries: تحسن العمليات الرياضية بشكل كبير على معالجات AMD. 
  2. استخدام واجهة مثل OpenMPI: تساعد في تحسين أداء الحوسبة متعددة الأجهزة.

تحسين أداء معالجات الرسوميات

  1. استخدام برمجيات AMD ROCm: تتضمن الحزمة مجموعة من التعريفات وأدوات التطوير وواجهات برمجة التطبيقات المخصصة لتحسين أداء بطاقات الرسوميات.
  2. الاعتماد على أدوات مثل HIP التي تسمح بتشغيل الكود المخصص لمعمارية CUDA من Nvidia على معالجات رسوميات AMD مما يوسع الخيارات المتاحة. 

الحاويات وإدارة العناقيد

  1. استخدام برمجيات مثل Docker لضمان استقلالية مهام الحوسبة عالية الأداء وإبقائها ضمن حاويات مخصصة. 
  2. اعتماد أداوت مثل Kubernetes أو Slurm لإدارة العناقيد.

توزيع الأحمال والحوسبة الموزعة

يكمن جزء كبير من إدارة أعباء الحوسبة عالية الأداء في التوزيع عالي الفعالية للمهام على مختلف وحدات المعالجة والخوادم المتاحة، وتحديد الأوقات الملائمة للتعامل مع هذه الأحمال من الجهة الأخرى. حيث عادة ما تكون نفس الحواسيب والخوادم المخصصة للحوسبة عالية الأداء مستخدمة لغايات أخرى، ومن الشائع ألا تكون متاحة إلا في أوقات محدودة مثل الساعات خارج وقت الدوام الرسمي مثلاً، ويمتد الأمر ليشمل متغيرات أخرى مثل التسعير المرن للطاقة (حيث تسمح العديد من البلدان والأقاليم بأسعار متغيرة للطاقة المستهلكة حسب الوقت، مع منح أسعار أرخص للأوقات خارج فترة ذروة الطلب).

بالإضافة إلى وفورات الوقت والتكلفة الناتجة عن التوزيع الفعال للأحمال على الأجهزة والنوافذ الزمنية، من المهم لمدراء تكنولوجيا المعلومات استغلال خيارات الحوسبة الموزعة عندما يكون الأمر متاحاً. حيث تفيد بروتوكولات مثل Spark وHadoop وسواها في إدارة مجموعات البيانات الموزعة وتقسيم المهام لتعمل على العديد من الحواسيب والأجهزة المختلفة بشكل متوازٍ وعالي الفعالية.

أخيراً، وعلى الرغم من أن استخدام العتاد عالي القدرات (مثل معالجات AMD Epyc ومسرعات AMD Instinct) والبرمجيات المتقدمة، وتخصيص وتحليل أعباء العمل أجزاء مهمة من الحصول على أفضل عائدات لأعباء عمل الحوسبة عالية الأداء، فمن المهم تذكر التنوع الكبير والخصوصية التي تتمتع بها أعباء عمل كل مؤسسة. لذا من المهم لفرق تكنولوجيا المعلومات التركيز على النواحي المميزة لمؤسساتهم من حيث أعباء العمل والقدرات المتاحة، ومن ثم العمل على مقاربة الاختبار والتحسين المستمر لضمان الحصول على النتائج المثلى دائماً.

شارك المحتوى |
close icon