يقدر البنك الدولي أن أكثر من 90% من الشركات حول العالم تصنف على أنها شركات صغيرة أو متوسطة. وتعد هذه الشركات مسؤولة عن أكثر من 50% من الوظائف حول العالم، بالإضافة لإسهامها بأكثر من 40% من الناتج المحلي الإجمالي للاقتصادات الناشئة. وفي حال احتساب الشركات الصغيرة والمتوسطة غير المسجلة، يقدر البنك الدولي أن إسهامها في سوق العمل والاقتصادات الوطنية سيكون أكبر حتى، وبالأخص مع كون 7 من كل 10 وظائف جديدة تكون في شركة صغيرة أو متوسطة.
لكن وعلى الرغم من الأهمية الكبيرة التي تلعبها الشركات الصغيرة والمتوسطة في الاقتصادات الوطنية، فعي تعاني من عائق أساسي لعملها: صعوبة توفير السيولة المالية، وبالأخص عند الرغبة بتوسيع الأعمال. حيث تفتقد هذه الشركات للأدوات المالية أو الحسابات الكبيرة المتوفرة للشركات الأكبر، وتحتاج إلى خيار آخر لتسريع دورة رأس المال فيها، وهنا تظهر أهمية خدمة التخصيم، أو تمويل الذمم كما يسمى في بعض السياقات.
خدمة مالية أساسية لتطوير أعمال الشركات الصغيرة والمتوسطة
يمكن تلخيص مفهوم التخصيم بكونه شراء الحقوق المالية الناتجة عن عمليات البيع وتقديم الخدمات واستعادة الديون وغيرها خلال هامش زمني متفق عليه مسبقاً. ضمن عملية التخصيم، يقوم المخصم بشراء الشيكات والفواتير وسواها من العميل، ويقدم له السيولة المالية المالية الفورية التي تتيح إعادة استثمار المال وتسريع الدورة المالية للنشاط التجاري، ومقابل هذه الخدمة يحصل المخصم على نسبة من المبلغ المدفوع لقاء جهوده في تحصيل الذمم المالية أو توليه لمخاطرة تخلف الأطراف الملزمة عن الدفع في بعض أنواع التخصيم.
تعود الأهمية الكبيرة للتخصيم إلى كون معظم الشركات تقوم ببيع منتجاتها وخدماتها مع دفعات آجلة أو مقسطة، وبالتالي لا تحصل هذه الشركات على العائدات بشكل فوري لتمويل أعمالها وتسريع دورة الإنتاجية مجدداً. عند استخدام التخصيم، يمكن للشركات الحصول على عائداتها المستقبلية بشكل فوري، وإعادة استخدام هذه العائدات في تنمية الشركة وتوسيع أعمالها أو إعادة تموين مستودعاتها وتحمل النفقات التشغيلية. وبينما يتضمن اللجوء للتخصيم التضحية بحصة من العائدات كرسم للتخصيم، فهو يسمح للشركة بزيادة أرباحها الإجمالية عبر تقصير دورة رأس المال وتجنب مشاكل السيولة التي تعاني منها الشركات، وبالأخص تلك التي تتعامل مع منتجات عالية التكلفة لكن مع هوامش ربح صغيرة.
مشهد الشركات الصغيرة والناشئة في المنطقة
تشير تقديرات منشآت، الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة في السعودية، إلى وجود أكثر من 1.23 مليون شركة صغيرة ومتوسطة في المملكة مع نهاية النصف الأول من عام 2023. وقد حصلت الشركات الناشئة في المملكة على 446 مليون دولار أمريكي من التمويل، ومثلت 28% من صفقات الشركات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال النصف الأول من عام 2023. وتعكس هذه الأرقام نمواً كبيراً من حيث عدد وتمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة في المملكة، حيث شهد الربع الثاني من 2023 نمواً بمقدار 2.6% في عدد الشركات مقارنة بالربع الأول من العام نفسه.
في الإمارات العربية المتحدة، تظهر البيانات الحكومية وجود أكثر من 557 ألف شركة صغيرة ومتوسطة في البلاد مع نهاية عام 2022، كما تخطط البلاد لزيادة العدد إلى أكثر من مليون شركة مع نهاية عام 2030، وفق تصريح لمعالي السيد عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد الإماراتي. كما تظهر البيانات الرسمية أن الشركات الصغيرة والمتوسطة قد رفعت من إسهامها في الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للإمارات من 53% عام 2018 إلى حوالي 63.5% بحلول عام 2022. واستفادت هذه الشركات من مبادرات كبرى تتضمن “مشروع 300 مليار” الذي يهدف لرفع مساهمة الصناعة في اقتصاد البلاد، بالإضافة إلى “صندوق خليفة لتطوير المشاريع”، والذي بدأ منذ عام 2007 ويمتلك رأس مال يزيد عن 2 مليار درهم إماراتي حالياً لتمويل الشركات الصغيرة والناشئة وتقديم الدعم الاستشاري والتدريبي لها.
لماذا تحتاج الشركات الصغيرة والمتوسطة للتخصيم
بينما تمتلك العديد من الشركات الكبرى، وبالأخص تلك المندرجة في مجموعات تجارية، مرونة في التعامل مع السيولة المالية، ووصولاً أفضل للخدمات المالية من المصارف، تعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة من صعوبات كبيرة بالوصول إلى الائتمان والخدمات المصرية المختلفة. حيث تشير التقديرات إلى أن أكثر من 40% من الشركات الصغيرة أو المتوسطة في الاقتصادات الناشئة تعاني من نقص في الخدمات المالية المتاحة لها، فيما تظهر الأمور بشكل أوضح عند التقسيم الجغرافي. إذ تعاني منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من فجوة بحجم 88% بين التمويل المتاح والطلب على التمويل للشركات الصغيرة والمتوسطة.
كذلك، تعاني الشركات الأصغر من كونها أكثر عرضة للتأثر بتقلبات الأسواق، ومشاكل سلاسل التوريد، والأزمات الجيوسياسية العالمية. وبالنتيجة عادة ما تنهار الشركات الناشئة خلال أول 5 سنوات من العمل، وفي 82% من حالات الانهيار، تكون مشاكل السيولة المالية سبباً أساسياً، ويعني هذا الواقع أن التخصيم يمكن أن يكون أداة أساسية في تقوية هذه الشركات وضمان قدرتها على الاستمرار، وبالأخص في الفترات الحرجة.
على الرغم من ميزاته، يعاني التخصيم من بعض العيوب في الواقع، ولعل أهمها هو أن رسوم التخصيم تشكل عبئاً مالياً إضافياً على الشركات الصغيرة والمتوسطة، وبالأخص تلك العاملة في مجالات ذات هوامش ربحية صغيرة جداً. لكن وعلى الرغم من هذا التحدي، يقدم تبني التخصيم للشركات:
- زيادة السيولة المالية
تعد الشركات الصغيرة والمتوسطة أكثر عرضة لمشاكل السيولة المالية بالنظر إلى كونها أصغر حجماً وأقل تنوعاً بالزبائن، لذا يمكن لهذه الشركات الاستفادة بشكل كبير من التخصيم الذي يمنحها وصولاً سريعاً إلى مبالغ عادة ما تصل إلى 80% من إجمالي الفواتير. وبالطبع يسرع هذا من دورة رأس المال ويحسن قدرة الشركات الأصغر على الاستمرار. - تجنب الديون
تعاني الشركات الصغيرة والمتوسطة من صعوبة أكبر بالحصول على القروض والخدمات المالية بسبب صعوبة توفير الضمانات من جهة، كما تواجه هذه الشركات معدلات فائدة\ربح أعلى بالنظر إلى كونها أكثر عرضة للانهيار. لذا يعد التخصيم حلاً أفضل كونه لا يحتاج لضمانات سوى فواتير مبيعات الشركة، كما أن رسوم التخصيم عادة ما تكون أخفض بوضوح من معدلات الفائدة\الربح للقروض المصرفية. - إسناد تحصيل الذمم لطرف خارجي
بسبب حجمها الأصغر وعدد موظفيها المنخفض، يكون من الصعب على الشركات الصغيرة والمتوسطة تخصيص الموظفين والموارد لتحصيل الديون والمدفوعات الآجلة للمبيعات والمستحقات المالية الأخرى من المدينين. وبالنتيجة يمكن للشركات الأصغر الاعتماد على خدمات شركات التخصيم كبديل لفرق المحاسبة الداخلية الكبيرة، وبالنتيجة تقليل احتمال تأخر تحصيل الذمم، وتخفيض التكاليف التشغيلية.
التحدي الرقمي في تقديم خدمات التخصيم
بينما ترى العديد من المصارف فرصاً كبيرة لتقديم خدمات التخصيم، فهي تشكل تحدياً للعديد منها، وبالأخص تلك التي تفتقد للبنية التحتية الرقمية، أو التي لا تزال تعتمد على الأنظمة القديمة. حيث لا تقتصر متطلبات تقديم خدمات التخصيم على القدرة على تقييم العملاء أنفسهم فقط، بل أنها تتطلب القدرة على تقييم زبائنهم كذلك. وتصبح الأمور أكثر تعقيداً عند التعامل مع الشركات الصغيرة والمتوسطة، حيث تصبح العملية مكلفة ومجهدة للمصارف مما يجعل الكثير منها تزيح عن تقديم خدمات التخصيم رغم الإمكانيات الكبيرة لها.
لحسن الحظ، هناك حل بسيط لهذا الأمر: تبني المنصات الرقمية التي تستخدم الخدمات المصغرة، مثل منصة التخصيم من Comarch. حيث إن هذه المنصة سحابية بالكامل، بالإضافة لكونها منصة ذكية تتيح القيام بالعديد من العمليات المؤتمتة بداية من تسريع عمليات قبول طلبات التخصيم، وحتى أتمتة الفواتير والمستحقات والتسويات والإشعارات وسواها بشكل متكامل.
تعرف أكثر على خدمات التخصيم وآفاقها الممكنة في الشرق الأوسط عبر تحميل تقرير «التخصيم في الشرق الأوسط: استكشاف فرص جديدة» من شركة Comarch. حيث يرسم التقرير صورة متكاملة لخدمات التخصيم وسوق الخدمات المالية في الشرق الأوسط، والآفاق الممكنة للخدمة في السوق. يمكنك التعرف على مختلف البيانات والتحليلات المتاحة في هذه التقرير، بالإضافة إلى الكثير من المعلومات الإضافية بالحصول على التقرير الكامل الآن: