صناعة التقنية والمال تعاني بشدة في روسيا، لكن لماذا وإلى أي حد؟
- شركات كبرى تتضمن ابل وسامسونج وإنتل وAMD وPayPal سواها قد أوقفت نشاطها في روسيا خلال الأيام الأخيرة فيما حظرت خدمات أخرى.
- المصارف الروسية محظورة من خدمة المراسلات المصرفية الأهم في العالم SWIFT وعرضة لكم متزايد من العقوبات والقيود.
- بعض أكبر الشركات الروسية مثل سيبر بانك ولوك أويل خسرت أكثر من 99 بالمائة من قيمة أسهمها في الأيام الأخيرة.
بعد أشهر من التوتر وحشد مئات الآلاف من الجنود على حدود جارتها أوكرانيا، بدأت روسيا ما وصف بأنه أكبر صراع مسلح في القارة الأوروبية منذ الحرب العالمية الثانية. لكن وبينما مر الغزو الروسي السابق لشبه جزيرة القرم عام 2014 مرور الكرام، يبدو أن الأمور أعقد بكثير هذه المرة مع مستوىً غير مسبوق من العقوبات والضرر على المجال التقني والمالي في أكبر دول العالم من حيث المساحة.
خلال الأيام الماضية اتجهت العديد من الخدمات والشركات العالمية إلى تعليق أو حتى إلغاء عملها ضمن أراضي روسيا الاتحادية. فيما امتدت مطرقة العقوبات لتشمل جارتها روسيا البيضاء التي شاركتها فيما أسمته الحكومتان “عملية عسكرية خاصة”.
في هذا الموضوع سنعاين الصعوبات التي أصابت عمل التقنية والمال في روسيا في الأيام الأخيرة، فيما سنتجاهل النواحي السياسية أو المتعلقة بقطاع الطاقة كونها لا تعنينا.
نقص الشرائح الإلكترونية قد يشل صناعات البلاد الإلكترونية
بشكل متزامن تقريباً، أعلنت كل من شركتي AMD وIntel عن توقفهما عن بيع منتجاتهما ضمن روسيا مع كونهما المهيمنتين دون منازع على عالم المعالجات الحاسوبية. وتبع ذلك إعلان مشابه من شركة Nvidia التي تعد أكبر شركة مصنعة لمعالجات الرسوميات في العالم. وبالمجمل باتت السوق الروسية محرومة من الشرائح الحاسوبية إلى حد بعيد.
لا تعد الأمور أفضل حقاً في مجال الهواتف، حيث انضمت شركة TSMC إلى سامسونج الكورية الجنوبية في إيقاف بيع منتجاتها في روسيا. وبالنظر إلى أن هاتين الشركتين هما أكبر مصنعي الشرائح الإلكترونية في العالم سيكون هناك معاناة شديدة للشركات الروسية لمجاراة المنافسة العالمية.
بالإضافة لصناعة الشرائح، فقد انضمت شركات مثل سامسونج وابل وديل إلى إيقاف بيع منتجاتها في البلاد مما سيخلق فجوة في مجال منتجات المستهلكين الإلكترونية، وبالطبع ستكون الشركات الصينية المنافسة مثل شاومي وأوبو وسواها المستفيد الأكبر من الأمر بالنظر إلى الموقف الصيني الودي تجاه روسيا.
عزلة على الإنترنت من الداخل والخارج
نتيجة إجراءات متقابلة من الحكومة الروسية والشركات العالمية بات المواطنون الروس يعانون العديد من المشاكل المتعلقة بخدمات الإنترنت حالياً. حيث توقفت العديد من خدمات الدفع مثل Google Pay وApple Pay، كما حجب موقع PayPal خدماته عن البلاد أيضاً ليصعب من التعاملات المالية في البلاد.
بالمقابل قامت العديد من منصات الإنترنت بتقييد وصول أو حتى حظر حسابات تابعة لوسائل الإعلام الرسمية الروسية. فيما قامت حكومة البلاد بإقرار قوانين جديدة تجرم العديد من أنواع السلوك الصحفي مما قاد لتوقف العديد من وسائل الإعلام المحلية والعالمية عن العمل في البلاد. وبعدما طلبت الحكومة الروسية أن تحظر جوجل الإعلانات المعادية للغزو ضمن روسيا، اتخذت جوجل خطوة إضافية بحظر جميع الإعلانات في البلاد مما كان ضربة كبرى لصانعي محتوى يوتيوب هناك.
من جهتها، فرضت الحكومة الروسية قيوداً شديدة على منصات التواصل الاجتماعي أيضاً. حيث حظرت البلاد كلاً من فيس بوك وتويتر، كما أن هناك أصداء لتمديد الحظر إلى العديد من منصات التواصل الاجتماعي قريباً. وبينما قد تستفيد بعض المنصات المحلية مثل VK من الأمر، ينظر الكثيرون للأمر على أنه مقلق للغاية من حيث عزل البلاد عن العالم.
النقل البري والجوي سيكون مشكلة
بالإضافة لحظر الطيران إلى روسيا ومنع الطائرات الروسية من دخول الأجواء الأوروبية وأجواء العديد من البلدان حول العالم، سيعاني قطاع النقل في البلاد من ضرر أشد ربما من نقص الطائرات. حيث أوقفت كل من شركتي بوينغ وأيربص شحنات الطائرات وقطع الغيار والصيانة إلى روسيا والشركات الروسية. حيث تم إيقاف طلبات عشرات الطائرات كما سيكون على الخطوط الجوية الروسية الاعتماد على المخزونات السابقة من قطع التبديل بالنظر إلى كون بوينغ وإيربص تحتكران سوق النقل الجوي تقريباً.
في مجال النقل البري تبدو الأمور قاتمة أيضاً. حيث أوقفت شركة دايملر الألمانية (أكبر شركة شاحنات في العالم) عملها في روسيا. وكذلك فعلت شركات كبرى مثل فورد وVW (تتضمن VW العديد من العلامات التجارية مثل أودي وبورش وبينتلي وسواها) التي أوقفت التصنيع والبيع لمنتجاتها في البلاد.
الإخراج من نظام المراسلات المصرفي العالمي SWIFT
يعد سويفت أكبر شبكة مراسلات بين البنوك في العالم. حيث يتضمن النظام 11 ألف مصرفاً ومؤسسة مالية حول العالم، ويعالج ما يزيد عن 4 ملايين عملية يومياً وفق اخر التقديرات. لكن وفي الأيام الأخيرة قرر النظام حظر مجموعة من أكبر البنوك الروسية من الوصول إليه، وبالتالي بات إجراء التعاملات والتسويات في البلاد صعباً للغاية مع الانقطاع عن أكبر نظام عالمي بين المصارف.
بالطبع هناك عدة بدائل متاحة تتضمن النظام الروسي الخاص SPFS أو النظام الصيني CIPS أو عدة خيارات أخرى. لكن لا ترقى أي من هذه الخيارات لمنافسة هيمنة سويفت وسيطرته في المجال، مما يعني أن هناك عزلة مالية روسية اليوم ولو أنها ليست كاملة تماماً. ويمكنك معرفة المزيد من موضوعنا السابق الذي يشرح ما هو سويفت وما مدى أهميته وماذا يعني إخراج بلد ما منه.
توقف البورصة المحلية ومعاناة في الأسواق الأوروبية
لعل واحداً من أول القرارات التي اتخذتها الحكومة الروسية ضمن حربها هي إيقاف التداول في بورصة موسكو للأوراق المالية. حيث توقفت البورصة عن العمل ولا تزال متوقفة حتى الآن ضمن أطول مدة تعطيل لها في تاريخها. والسبب هنا هو منع ظهور انعكاسات الحرب والعقوبات العالمية على الاقتصاد المحلي للبلاد مع إدراك حجم الخسائر الممكنة.
لكن في الخارج كانت المعاناة واضحة للغاية، حيث أن العديد من شركات البلاد الكبرى مدرجة في أسواق مالية أوروبية كما بورصة لندن وفرانكفورت وسواها. فعلى سبيل المثال، انهار سهم سيبر بانك الروسي العملاق من حوالي 10 دولارات في اليوم السابق للغزو إلى حوالي 5 سنتات فقط للسهم، أي أنه خسر أكثر من 99 بالمائة من قيمته في أيام. وكان مصير شركات روسية أخرى مثل لوك أويل وروسنيفت العاملتين في النفط وغازبروم المصدرة للغاز الطبيعي مشابهاً.
لاحقاً تعرضت الشركات الروسية لضربة إضافية مع إزالة 17 من أصل 24 شركة مسجلة في روسيا من سوق لندن للأوراق المالية. وبالنظر إلى أن البورصة المحلية متوقفة أصلاً، فقد واجهت هذه الشركات خسائر كبرى بالنتيجة مع مسارعة الكثيرين للتخلص من استثماراتهم ضمنها.
بالمجمل، لا يزال من المبكر إدراك الحجم الكامل لتأثيرات الحرب الحالية على المجال التقني والمالي في روسيا. حيث أننا لا نعرف إلى متى ستستمر العقوبات العالمية وإن كانت الشركات التي أوقفت نشاطها مؤقتاً ستعود إليه في وقت لاحق. لكن وفي حال استمرت الأمور كما هو الحال الآن، ستكون مجالات التقنية والمال في البلاد في مأزق كبير دون شك.